الجمعة 10 يناير 2025 م - 10 رجب 1446 هـ
أخبار عاجلة

أوراق الخريف : اللغة العربية بين الحضور العالمي والمستقبل المأمول

أوراق الخريف : اللغة العربية بين الحضور العالمي والمستقبل المأمول
الثلاثاء - 07 يناير 2025 02:04 م

د. أحمد بن سالم باتميرا

10

سعدتُ كثيرًا وأنا أتلقَّى دعوة من أخي الدكتور يحيى آل داوود الملحق الثَّقافي للمملكة العربيَّة السعوديَّة في سلطنة عُمان، لحضور الجلسة الحواريَّة حَوْلَ «اللُّغة العربيَّة والذَّكاء الاصطناعي» تعزيز الابتكار مع الحفاظ على التُّراث الثَّقافي بالتَّعاون مع النَّادي الثَّقافي العُماني والَّتي تأتي في إطار اهتمام مجمع الملك سلمان العالَمي باللُّغة العربيَّة الَّتي تُعَدُّ أهمَّ لُغة عالَميَّة والاحتفال باليوم العالَمي للُّغة العربيَّة الَّذي يصادف الـ(18) من ديسمبر من كُلِّ عام. واللُّغة العربيَّة تُعَدُّ ذات أهميَّة ثقافيَّة من قِبل الأُمم المُتَّحدة، والَّتي أقرَّ في هذا اليوم من عام 1973، اعتمادها ضِمْن اللُّغات الرَّسميَّة ولُغات العمل في الأُمم المُتَّحدة؛ لكونها إحدى اللُّغات الأكثر انتشارًا واستخدامًا في العالَم، هذا الاحتفال نابع من كونها لُغة الضَّاد والدِّين والعِلم والأدب والسَّلام والَّتي أسّس من خلالها الحوار بَيْنَ الثَّقافات المختلفة. لذا احتفال الملحقيَّة الثَّقافيَّة السُّعوديَّة والنَّادي الثَّقافي العُماني نابع من هذه الأهميَّة، حيث يبلغ عدد النَّاطقين بها أكثر من (450) مليون شخص وهي تتمتع بصفة لُغة رسميَّة في أكثر من (25) دَولة أعضاء في الجمعيَّة العامَّة للأُمم المُتَّحدة. وكان لعنوان الحوار دَوْر كبير في العدد الكبير من الحضور والمشاركة؛ كونها مناسبة لاستكشاف توافق اللُّغة مع الذَّكاء الاصطناعي، مع تعزيز حضور اللُّغة العربيَّة على شبكة الإنترنت، ودعم الابتكار وتشجيع الحفاظ على التُّراث العربي وأهميَّته للعالَم وللثَّقافات المختلفة في العالَم في الشَّرق والغرب. فاللُّغة العربيَّة، ليسَتْ لُغة عاديَّة، بل هي لُغة سادتْ لقرون طويلة من تاريخها بوصفها لُغة السِّياسة والعِلم والأدب والثَّقافة والتَّواصُل، لذا فقد أثَّرتْ تأثيرًا مباشرًا أو غير مباشر في كثير من اللُّغات الَّتي أخذتْ من العربيَّة مفردات وكلمات تستخدم فيها مِثل الفارسيَّة والسواحيليَّة والإسبانيَّة وغيرها. لذا نرى أنَّ متحدِّثي اللُّغة العربيَّة ليسوا مقتصرين على الوطن العربي، بل وصلتْ للدوَل المجاورة لأهميَّتها وانتشارها مِثل تركيا وإيران وبعض الدوَل الإفريقيَّة والآسيويَّة؛ لأنَّها لُغة القرآن، ولُغة الضَّاد الَّتي أتاحتْ للبَشَريَّة كُلِّها إقامة الحوار بَيْنَهم من خلال التَّواصُل الثَّقافي على طول المسالك البَرِّيَّة والبحريَّة لطريق الحرير من سواحل الهند إلى القرن الإفريقي. فاللُّغة العربيَّة هي الَّتي شكَّلتِ الهُوِيَّة العربيَّة بَيْنَ الدوَل بسبب تأثيرها على الثَّقافة والمُجتمع، واليوم فإنَّ الاحتفال بهذه اللُّغة يأتي لتعزيزِها بَيْنَ الأجيال كلُغة مهمَّة في الدِّراسات والتَّواصُل والمخاطبات الرَّسميَّة لِتبقَى قويَّة ومهمَّة وسط التَّحوُّلات السَّريعة الَّتي تشهدها المُجتمعات بدخول اللُّغة الإنجليزيَّة على الخطِّ، وأصبحتْ جزءًا من حياة الشَّباب في بعض الدوَل وتحقيق التَّوازن بَيْنَ استخدام اللُّغات الأُخرى والحفاظ على اللُّغة العربيَّة أصبح مهمَّةً وطنيَّة لتعزيزِ مكانتها وحمايتها لضمانِ استمرار دَوْرها في تشكيل الهُوِيَّة العربيَّة. فلُغة الضَّاد، اهتمَّ بها علماؤنا ومشايخنا منذُ قرون في كتاباتهم وإصداراتهم وأشعارهم، لذا من المُهمِّ جدًّا أن نحافظَ عَلَيْها نحن الجيل الحالي وإدخالها في مجال البحث العلمي والأكاديمي بدلًا من الاعتماد على المجلَّات الأجنبيَّة والنَّشر باللُّغة الإنجليزيَّة في المؤسَّسات الأكاديميَّة العربيَّة، حتَّى ولو أصبحتِ اللُّغة الإنجليزيَّة لُغة العلوم العالَميَّة. فالمملكة العربيَّة السُّعوديَّة وسلطنة عُمان تقومانِ بالعديد من الخطوات المميزة لدعمِ لُغة الضَّاد، ليس فقط في يومها العالَمي، وإنَّما على مدار العام، ومجمع الملك سلمان العالَمي للُّغة العربيَّة يَقُومُ بالعديد من الفعاليَّات؛ لكونها لُغة حيَّة وإحدى اللُّغات السَّبع المتاح تعليمها في المدارس الرَّسميَّة الأوروبيَّة والعالَم. إنَّ الاعتزازَ باللُّغة العربيَّة مسؤوليَّة كبيرة، وعلى جامعة الدول العربيَّة ومجلس التَّعاون الخليجي اعتمادها كلُغة بحوث أكاديميَّة لِيعزِّزَ من مكانتها ويَضْمن استمراريَّة قدرتها على مواكبة التَّطوُّرات العلميَّة. ولا شكَّ أنَّ احتفال الملحقيَّة الثَّقافيَّة السُّعوديَّة والنَّادي الثَّقافي في سلطنة عُمان بها كظاهرة ثقافيَّة وتراثيَّة يجسِّد هذا المعنى العظيم لمكانتها وأهميَّتها والحفاظ عَلَيْها، وقد نوَّه الله تعالى في كِتابه العزيز في مواضع عديدة، بمكانة اللُّغة العربيَّة وعظم شرفها، بأن جعلها لُغة القرآن الكريم، آخر الكتُب السَّماويَّة الَّتي أنزلها سبحانه لهدايةِ البَشَريَّة، قال عزَّ وجلَّ :»إنَّا أنزلناه قرآنًا عربيًّا لعلَّكم تعقلون». وهذا امتنانٌ من الله تعالى على عباده، بأن أنزلَ إِلَيْهم القرآن الكريم باللُّغة العربيَّة؛ لكونها أبلغ اللُّغات، وأحسنها فصاحة وجَمالًا، وتكفَّل الله بحفظها، لتصبحَ لُغة باقية خالدة وأجمل اللُّغات وأكثرها انتشارًا وتأثيرًا.. والله من وراء القصد.

د. أحمد بن سالم باتميرا

[email protected]