الأربعاء 08 يناير 2025 م - 8 رجب 1446 هـ
أخبار عاجلة

التضخم والهواتف والشباب وكبار السن

التضخم والهواتف والشباب وكبار السن
الاثنين - 06 يناير 2025 03:09 م

محمد عبد الصادق

20


في مصر ضجَّة كبيرة؛ جرَّاء إعلان الحكومة فرض ضرائب على الهواتف القادمة من الخارج بنسبة (38%) من قِيمتها، حالة من السّخط والغضب الشَّديد سيطرتْ على الكثيرين، حتَّى مَن لا يحمل هاتفًا من الأصل، متهكِّمًا من القرار، مُبديًا خشيته من فرض ضريبة مستقبلًا على «الهزار أو الضَّحك» أو حتَّى التَّثاؤب. وتسابق الجميع لإدخال رقم كودي على «الهاتف المحمول» يظهر من خلاله إن كان هاتفك عَلَيْه رسوم من عدمه، ويتهافتْ عَلَيْه كُلُّ مَن يحمل هاتفًا مهما كان عمره أو علامته، رغم تأكيد الحكومة أنَّها لن تُطبِّقَ القرار بأثَرٍ رجعي، وأنَّها ستسمح بإدخال هاتفٍ جديد دُونَ جمارك للقادمين من الخارج بَشَرطِ تسجيله على تطبيق مخصَّص لتسجيلِ جميع الهواتف المحمولة وبيان سدادها للضَّريبة من عدمه، بَيْنَما يتمُّ دفع رسوم تصل إلى (20) ألف جِنيه «400 دولار» لِمَن يحمل أكثر من هاتف جديد، والرُّسوم تُطبَّق أيضًا على مَن يشتري هاتفًا من السُّوق المحلِّي غير مُسدَّد الضَّريبة عَلَيْه.

الحكومة تقول إنَّ أكثرَ من (90%) من الهواتف الموجودة في السُّوق المصري مُهربة من الجمارك، وأنَّ الغرض من الضَّريبة، تشجيع صناعة الهواتف المحمولة في مصر، وتحصيل حقِّ الدَّولة ومكافحة التَّهرب الضَّريبي، وحماية الوكلاء المحليِّين، استنكرَ المعارضون للقرار عبارة «حماية الوكلاء المحليِّين»، حيث لم يلمسوا مِنْهم سوى الجشع والاحتكار والبيع بأسعارٍ مُبالغ فيها، تفوق مثيلاتها في دوَل العالَم، وأنَّ مَن حقِّ المستهلك الحصول على هاتفٍ بسعرٍ عادل من أيِّ مكان في العالَم.

وتشهد مصر معدَّلات غير مسبوقة من التَّضخُّم وغلاء الأسعار خلال السَّنوات الثَّلاث الماضية؛ جرَّاء قرارات التَّعويم وضعف القدرة الشرائيَّة للجِنيه المصري، والَّتي ألقَتْ بظلالها على حياة المصريِّين، فتجدُ بائعة «الفجل» تضع حزمة مُكوَّنة من عود أو عودَيْنِ هزيلَيْنِ لا تُسمن من جوع، وعِندَما تحتجُّ، تردُّ عَلَيْك في حنق، «أنتَ عارف الدولار وصل كام». ولمواجهةِ أعباء الحياة يضطرُّ المصريون للعمل ساعاتٍ طويلة، وامتهان أكثر من مهنة. كان مشواري الأخير في مصر إلى المطار عن طريق أحَد تطبيقات النَّقل الذَّكي، وكان السَّائق شابًّا في منتصف الثلاثينيَّات، يبدو من هيئته وهندامه أنَّ السِّياقة ليسَتْ مهنته الأساسيَّة، فوجئتُ أنَّه طبيب أسنان، يبدأ يومه صباحًا بالذَّهاب للمستشفى الحكومي الَّذي يتقاضَى راتبًا مِنْه قدره (6500) جِنيه «130 دولارًا»، ويداوم أربعة أيَّام في الأسبوع في مركز خاصٍّ لعلاج الأسنان لِمُدَّة (6) ساعات يوميًّا، ويعمل سائقًا على التَّطبيق باقي ساعات اليوم، بحيث يَعُود إلى منزله بعد (16) ساعة عمل، حتَّى يستطيع توفير حياة كريمة لأُسرته الصَّغيرة المُكوَّنة من زوجته وطفل وحيد.

طالَما كنتُ أتيهُ على أقراني باحتفاظي بمظاهر الشَّباب، فقَدِ احتفظتُ بكثافة شعر رأسي لسنِّ الستِّين، ولم يزحفِ الشَّيب إلَّا لمناطقَ محدودةٍ مِنْه، وكنتُ أشعرُ بسعادة داخليَّة عِندَما يستنكر البعض وصولي لسنِّ التَّقاعد، ومن أجْلِ ذلك حرصتُ أن أتناولَ طعامًا صحيًّا، معتمدًا على زيت الزَّيتون والجبن القريش، وممارسة رياضة المشي يوميًّا، ومحاولة البُعد عن التوتُّر والهموم، وحرصتْ في إجازاتي الأخيرة، أن تكُونَ لي «طلعة رجالة» عدَّة أيَّام أقضيها مع أصدقاء الطُّفولة في أحَد المصايف أو المشاتي المصريَّة، ولكن يبدو أنَّني «حسدتُ نَفْسي»، فبالمصادفة، اكتشفتُ عِندَ إجراء فحصٍ دَوْري، وجود نشاط في الغدَّة الدرقيَّة، ولم أشعرْ بأيَّة أعراض مختلفة، سوى نقصِ بعض الوزن ودخولي الحمام أكثر من المعتاد، بعد شروعي في العلاج والتَّحاليل والإشاعات، تبَيَّنَ أنَّ نشاط الغدَّة يُصاحبه وجَع في العظام، وإمكانيَّة فقدِ الكالسيوم وفيتامين «د»، وأصبحتُ «أشاور نَفْسي» أن أؤدِّيَ الصَّلاة وأنا جالس على الكرسي، بعد سنواتٍ من الصُّمود منتصبًا في صفوف المُصلِّين.

محمد عبد الصادق

[email protected]

كاتب صحفي مصري