الأربعاء 08 يناير 2025 م - 8 رجب 1446 هـ
أخبار عاجلة

العادات الخفية .. قد تقود حياتك!

العادات الخفية .. قد تقود حياتك!
الاثنين - 06 يناير 2025 03:25 م

د. يوسف بن علي الملَّا

20

أحيانًا وخلال فترة من حياتك، رُبَّما تتذكَّر آخر مرَّة قمتَ فيها بتنظيف أسنانك، ولكن إذا طلبتُ مِنْك التَّفكير في تفاصيل روتينك، فقَدْ تكتشف بعض النّقاط الفارغة هناك! على سبيل المثال، ما اليَدُ الَّتي تستخدمها للإمساك بفرشاة الأسنان؟ وهل تبدأ بتنظيف أسنانك العلويَّة أم السّفليَّة أوَّلًا؟

وهنا قد تتساءل: لماذا هذا التَّساؤل الغريب؟ ولعلَّ ما أوَدُّ طرحه هنا جدير بالاهتمام! فالاستحمام، وتنظيف أسنانك، والقيادة إلى العمل، وتحضير القهوة، كُلُّها حقيقة عادات أساسيَّة في حياتنا كبَشَر. ولكن بمجرَّد أن يصبحَ فعلٌ ما عادة، يُمكِنك أن تغفلَ عن الدَّوافع الَّتي تدفعك إلى القيام به، أو إذا كنتَ ترغب في ذلك كثيرًا.

بل إنَّه وفي العام الجديد كما يذكر الجميع، يَعِد الكثير من النَّاس بالتَّخلي عن العادات السَّيِّئة وتَبنِّي عادات أفضل. ومع ذلك، تُظهر الأبحاث حَوْلَ العادات أنَّها لا تتوافق دائمًا مع نيَّاتنا. وأقصدُ هنا أنَّه على الرَّغم من أنَّنا نحبُّ أن نعتقدَ أنَّ أفعالَنا مدفوعة بالأهداف، إلَّا أنَّ العادات غالبًا ما يكُونُ لها تأثير أقوى. نحن ندرك أهدافنا أكثر من عاداتنا، ممَّا يجعل الأهداف تبدو وكأنَّها الدَّافع الرَّئيس. ورُبَّما ـ إن لم أكُنْ مخطئًا ـ ومن خلال التَّعرُّف على العادات، يُمكِنك زيادة فرصك في بناء عادات إيجابيَّة بنجاح أو التَّخلُّص من العادات السَّلبيَّة. بهذه الطَّريقة، يُمكِن أن تتشكَّلَ حياتك من خلال ما يجلبُ لك السَّعادة حقًّا، بدلًا من الروتين التّلقائي الَّذي اعتدَتْ عَلَيْه.

لذلك قد تُحفِّزنا أهدافنا الواعية على تكرار سُلوك معيَّن، وبالتَّالي تكُونُ بمثابة الشَّرارة الَّتي تُحفِّز محرِّك العادة. في الواقع، الأشخاص الأفضل في تحقيق أهدافهم هُمْ أولئك الَّذين يتعمَّدون تكوين عادات لأتمتة بعض الأشياء الَّتي يفعلونها. من ناحية أُخرى، أوَلَسْتَ معي أنَّه حتَّى العادات الَّتي يتمُّ البدء فيها عمدًا تستحقُّ إعادة التَّقييم بَيْنَ الحين والآخر؛ لأنَّها بمجرَّد ترسيخها، يُمكِنها الابتعاد عن الأهداف الَّتي ألهمتها. فإذا تغيَّرتْ أهدافنا ـ مثلًا ـ فإنَّ إشارات السِّياق ستظلُّ تؤدِّي إلى السُّلوك المعتاد، خصوصًا وأنَّ هنالك دراسةً تحليليَّة وجدتْ أنَّ النيَّات يُمكِن أن تتنبأَ فقط بالأفعال الَّتي يتمُّ القيام بها في بعض الأحيان، مِثل الحصول على لقاح الإنفلونزا، وليس الأفعال الَّتي تتكرَّر بانتظام، مِثل ارتداء حزام الأمان. ففي إحدى الدِّراسات الَّتي أجريت عام ٢٠١٢، رفع الطلاب الَّذين غالبًا ما ذهبوا إلى ملعب رياضي أصواتهم عِندَما رأوا صورةً لذلك الملعب، حتَّى لو لم يقصدوا ذلك. ومن هنا أظهرَ العُلماء أنَّ السُّلوكيَّات المعتادة والسُّلوكيَّات الموجّهة نَحْوَ الأهداف تنطوي على مسارات مختلفة في الدّماغ. فعِندَما يُصبح الفعل عادةً، فإنَّه يُصبح أكثر تلقائيَّة ويعتمد أكثر على النِّظام الحسِّي الحركي.

بل ومن منظورٍ آخر أيضًا يَجِبُ أن نعيَ بأنَّ العادات لا تعتمد كثيرًا على المكافآت لتستمرَّ فيها. فعلى سبيل المثال، إذا جرَّبتَ طعامًا جديدًا ولم يعجبْك، فمن غير المُرجَّح أن تأكلَه مرَّة أُخرى. لكنَّ العاداتِ لا تعملُ بِنَفْس الطَّريقة، فهي يُمكِن أن تستمرَّ حتَّى بعد زوال الشُّعور بالرِّضا. وهنا تخيَّل معي شخصًا لدَيْه عادة فحص هاتفه أوَّل شيء في الصَّباح. حتَّى لو شعروا بالانزعاج أو الإرهاق بسببِ الإشعارات، فقَدْ يظلُّون يلتقطون هواتفهم كُلَّ يوم بسبب عادتهم. لا يعني ذلك أنَّهم لا يلاحظون التوتُّر الَّذي يُسبِّبه ذلك، بل يتمُّ تحفيز السُّلوك ببساطةٍ من خلال السِّياق، حيثُ يكُونُ الهاتف في متناول اليَدِ. وعلى الرَّغم من أنَّ هذا المثال قد يبدو بسيطًا، لكن فكِّر في مقدار الضَّرر الَّذي يُمكِن أن يحدُثَ إذا ظلَّتِ العادات المُعقَّدة، مِثل إجراءات العمل غير الصحيَّة أو التَّواصُل المتوتِّر في العلاقات، بعيدة عن فائدتها!

ختامًا، يَجِبُ أن نعيَ بأنَّ العادات المحايدة، مِثل الوقت الَّذي تختاره دائمًا لتناولِ الغداء، غالبًا ما تمرُّ دُونَ أن يلاحظَها أحَد. في البداية، قد يبدو من غير الضَّروري الاهتمام بها، خصوصًا إذا كانتْ تجعل يومك يبدو منظمًا. ولكنَّ العاداتِ لا تتوافَق دائمًا مع أهدافك أو احتياجاتك الحاليَّة، ولهذا السبب من المُهمِّ تقييمها من وقتٍ لآخر للتَّأكُّد من أنَّها لا تزال تعمل لصالحِك. والحقيقة هي أنَّ العاداتِ جزءٌ أساسي من هُوِيَّتنا. ومن خلال فهمِ كيفيَّة عملهم ـ وإدراك مدى سهولة الهروب من وعينا ـ فإنَّك تمكِّن نَفْسَك من السَّيطرة على الأمور. بل ومع هذا الوعي، يُمكِنك بناء حياة مليئة بالفرح، والتَّخلِّي عن الروتين الَّذي لم يَعُدْ يخدم مصلحتك!

د. يوسف بن علي الملَّا

طبيب ـ مبتكر وكاتب طبي

[email protected]