الأربعاء 08 يناير 2025 م - 8 رجب 1446 هـ
أخبار عاجلة

عودة الذئاب المنفردة «تحليل عملية مونستر ونيو أورليانز»

عودة الذئاب المنفردة «تحليل عملية مونستر ونيو أورليانز»
الأحد - 05 يناير 2025 03:00 م

محمد بن سعيد الفطيسي

20

أكثر من عمليَّة إرهابيَّة نُفِّذت عَبْرَ أُسلوب الإرهاب الفردي خلال الفترة من الـ(21) من ديسمبر 2024 ـ الثاني من يناير 2025 في كُلٍّ من ألمانيا والولايات المُتَّحدة الأميركيَّة، حيث وقعتِ العمليَّة الأُولى وسط مدينة مونستر الألمانيَّة في سُوق عيد الميلاد ونتَج عَنْها (5) قتلَى وأكثر من (200) جريح بعضهم إصابته خطيرة، في وقتٍ وقعتِ الثَّانية في مدينة نيو أورليانز الأميركيَّة في السَّاعات الأُولى من أوَّل أيَّام العام 2025 وخلَّفتْ (14) قتيلًا على الأقلِّ.

على العموم ما يهمُّنا في كلا الحدثَيْنِ أنَّهما وقَعَا من خلال مَن يُطلق عَلَيْه بعمليَّات الإرهاب الفردي أو (الذِّئاب المنفردة) إلى حدٍّ بعيد، وعَبْرَ أُسلوب الدَّهس، وفي أوقاتِ الذَّروة، وفي أماكن عامَّة (أسواق) وفي مواسم معيَّنة مِثل أعياد رأس السَّنة الميلاديَّة، وهي النَّماذج البديلة للإرهاب في مقابل العمليَّات التَّفجيريَّة الَّتي تحتاج إلى تخطيطٍ ومواردَ عالية.

وأكَّدتِ التَّحقيقاتُ الأوَّليَّة ارتباط العمليَّة الثَّانية بمُحفِّزات نَفْسيَّة لبعضِ التَّنظيمات الإرهابيَّة، حيث أفادَ مكتب التَّحقيقات الفيدرالي الأميركي «FBI» بأنَّ مُنفِّذَ عمليَّة الدَّهس في نيو أورليانز أعلنَ في مقاطع فيديو تأييدَه لتنظيمِ «داعش». أمَّا العمليَّة الإرهابيَّة في ألمانيا فقَدْ ذكرتْ مجلَّة «دير شبيجل» الألمانيَّة أنَّ المُتَّهمَ طبيبٌ مُتخصِّص في العلاج النَّفْسي ومتعاطف مع أفكار حزب البديل من أجْلِ ألمانيا المُنتمي لليمينِ المُتطرِّف.

و»يُعرف الذِّئب المنفرد، الَّذي باتَتِ الجماعاتُ الإرهابيَّة تلجأُ إلى خدماته أكثر فأكثر، بكونه شخصًا معزولًا يؤمن خصوصًا بالفِكر المُتطرِّف والدَّموي، وله قدرة على اختيار أهداف خاصَّة به، يحضِّر ويُنفِّذ عمليَّاته دُونَ اللُّجوء إلى خطٍّ تراتبي قد يتمُّ اختراقه من طرف عناصر مكافحة الإرهاب».

وتدخل عمليَّات الذِّئاب المنفرد في سياق الأنماط النَّوعيَّة المتطوِّرة للإرهاب المعاصِر، وهي متطوِّرة لكونها ليسَتْ من الأنشطة الحديثة على المُجتمعات الإنسانيَّة، فسعيُ البعضِ إلى الانتقام والعُنف تعبيرًا عن الحقدِ والحسد أو الظُّلم والاضطهاد أو حتَّى بسببِ الاضطراب النَّفْسي والعقلي أو بسببِ رسوخِ بعض المعتقدات والأيديولوجيَّات الدِّينيَّة أو الثَّقافيَّة أو الاجتماعيَّة وبمختلف الوسائل والأدوات المتاحة هي سلوكيَّات وتصرُّفات وأنشطة عرفتها الإنسانيَّة منذُ العصور التَّاريخيَّة القديمة، ولا فَرقَ بَيْنَ القديم والحديث في ما يخصُّ تطوُّر هذا التَّوَجُّه أو الأُسلوب الإرهابي غير تقدُّم تلك الوسائل والأدوات المستخدمة لتحقيقِ الأهداف والغايات الإرهابيَّة.. فالعمليَّات الإرهابيَّة الَّتي تَقُومُ بها الذِّئاب المنفردة تختلف باختلاف نماذج التَّفكير والإمكانات المُتاحة وكذلك البيئة الأمنيَّة والاستخباراتيَّة للدوَل.

وقد قتلتِ «الذِّئاب المنفردة ودهستْ وطعنتْ بدافعِ التَّطرُّفِ الدِّيني وتكفير المُجتمع والدِّفاع عن الإرهاب مئات الأبرياء حَوْلَ العالَم، حيث شهدتِ الاعتداءات تطوُّرًا مثيرًا وكبيرًا، فأصبحتْ لا تعتمدُ على الأسلحة الثَّقيلة، أو التَّفجيرات الانتحاريَّة المُنظّمة، بل صار مجرَّد سكِّين صغير كافٍ لارتكاب مذبحة مُلطَّخة بدماء الأبرياء».

ختامًا، يَجِبُ القولُ والتَّحذير ـ وهي رسالة إلى الأجهزة الأمنيَّة ـ بأنَّ «جزءًا كبيرًا من هذه الشَّريحة من الشَّباب يعيش ازدواجًا واضطرابًا في الانتماء والهُوِيَّة، يبدأ الفرد مِنْهم بالتَّفتيش عَبْرَ الإنترنيت عن شيء يُقرِّبه من جذوره الَّتي انسلخ مِنْها، فيجده في المواقع المتطرِّفة الَّتي تُجيد فنَّ الاستقطاب والتَّرويج والإقناع بأناشيدَ حماسيَّة وصوَر ومشاهد لِمَا يتعرَّض له المُسلِمون من قمعٍ واضطهاد. ومن خلال التّكرار والتَّأكيد، تؤدِّي تلك الوسائط الإلكترونيَّة دَوْرًا كبيرًا في تشكيل رؤية هؤلاء الشَّباب الحائر. ثمَّ يعملُ بعد ذلك قانون الجذب حيث ينجذبون نَحْوَ أيِّ فكرة تُبرِّر الأفعال الَّتي تُخالف العقلَ والمنطقَ وحتَّى الدِّين فيصبح هؤلاء ذئابًا منفردةً يقتلون ويُفجِّرون ويَدهسون النَّاس في الأماكن المزدحمة».

ملاحظة: هذا المقال بتصرف عن مؤلَّف لي بعنوان: الجيل الخامس للإرهاب (دراسة في التطورات المعاصرة لاستراتيجيات التنظيمات الإرهابيَّة «الذِّئاب المنفردة نموذجًا «ط1/2020

محمد بن سعيد الفطيسي

باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية

رئيس تحرير مجلة السياسي – المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية

[email protected]

MSHD999 @