الأحد 05 يناير 2025 م - 5 رجب 1446 هـ
أخبار عاجلة

نبض المجتمع : الوقت لم يتغير

نبض المجتمع : الوقت لم يتغير
الأحد - 05 يناير 2025 02:59 م

د. خصيب بن عبدالله القريني

10


تتوالى الأيَّام وتتبعها الشُّهور والسَّنوات، تمرُّ مسرعةً دُونَ أن نشعرَ بها، رُبَّما كنَوعٍ من التَّناغم مع ما نمارسه من أعمال وما نقول به من مهام يغلب عَلَيْها طابع السُّرعة نتيجة ارتباطها بالجوانب التقنيَّة المتسارعة، لكنَّ الواقع أنَّ سرعة الأيَّام مُخيفة جدًّا، يكفي أن تتذكَّرَ حدثًا ما تتوقع أنَّه قد حدَث من عام واحد مثلًا وتتفاجأ بأنَّه قد مرَّ عَلَيْه ثلاثة أعوام، أعتقدُ أنَّ كثيرًا من المواقف المشابهة لهذا التَّصوُّر مرَّت عَلَيْنا جميعًا.

إنَّ الحديث عن هذا التَّعميم يكاد يكُونُ عِندَ الجميع، ولكن هل هذا هو السَّبب الرَّئيس لهذا الشُّعور؟ أعتقدُ جازمًا أنَّ ثمَّة أُمورًا أخرى تجعلنا نشعُر بأنَّ الأيَّامَ مُسرعةٌ هو وجود مشاغل كثيرة وأساليب وطُرق لقضاء الوقت أكثر من الأجيال الَّتي سبقتنا. فالوقت لم يتغيَّرْ، فقط شعورنا تجاهه هو الَّذي تبدَّل، رُبَّما أتذكَّر تفسيرًا قديمًا للنَّظريَّة النِّسبيَّة للعالَم الأميركي أينشتاين وهو بالمناسبة تفسير لتبسيطِ فكرة هذه النَّظريَّة الَّتي أحدثتْ تغييرًا كبيرًا في مجال العلوم بصورة عامَّة ويتمثلُ هذا التَّفسير في أنَّك لو جلستَ مع شخصٍ ترتاح له لِمُدَّة ساعة فإنَّك تشعُر بأنَّ هذه السَّاعة عبارة عن دقيقة واحدة، بَيْنَما لو جلستَ مع شخصٍ لا ترتاح له لِمُدَّة دقيقة ستشعُر أنَّ هذه الدَّقيقة عبارة عن ساعة، رغم أنَّ الوقتَ واحدٌ، إلَّا أنَّ الظُّروف المحيطة بكُلِّ شخص جعلَتْه ينظُر إِلَيْه من زاويته الخاصَّة ويتفاعل معه وفق منظوره الَّذي يشعُر به، ولكن في النِّهاية الوقت واحد ولم يتغيَّرْ.

إنَّ وجود مجالات مُتعدِّدة في حياتنا جعلَتْنا لا نشعُر بالوقت، فيكفي حجم البرامج الموجودة في هاتف كُلٍّ مِنَّا لِتجعلَه لا يجدُ وقتًا فائضًا عن حاجته، بل تُشعرك هذه البرمجيَّات أنَّك لا تملكُ الوقت الكافي للولوجِ لها والاستمتاع بمحتوياتها، كما أنَّ وجود مجموعة متنوِّعة من الألعاب في هذه الهواتف والقدرة على إيجاد لاعبِينَ تمارس معهم اللُّعبة الَّتي تفضِّلها وفي أيِّ وقتٍ ومن أيِّ دولةٍ هو تطوُّر كان في الأحلام بالنِّسبة لجيلِنا على الأقلِّ، حيثُ أتذكَّر منذُ حوالي ثلاثين عامًا أو أكثر مجالات حياتيَّة جدًّا قليلة كان متاحًا لنَا فيها تمضية الوقت. فالألعاب كانتْ محدودةً جدًّا، سواء تلك المرتبطة بالجانب التَّرفيهي أو التَّعليمي، بل تجدُ في أحيانٍ كثيرة حاجز عدم وجود لاعبِينَ معرقلًا لكثيرٍ من المناشط الَّتي توَدُّ القيام بها، إلى جانب محدوديَّة هذه الفعاليَّات وبالتَّالي يكُونُ الوقت بطيئًا ومتثاقلًا، نشعُر من خلاله بأنَّ الأيَّام لا تتحرَّك كثيرًا كما هي الآن، أمَّا مسألة الفائدة فهي الأخرى نسبيًّا أيضًا، فالآن رغم ما توصف التقنيَّة بأنَّها مضيعة للوقت، إلَّا أنَّ الواقعَ يثبتُ عكسَ ذلك فتبقَى طريقة الشَّخص في التَّعامل معها هو الفيصل، فيكفيك برنامج واحد وهو الأشْهَر (اليوتيوب) لتتعلَّمَ الكثير من المهارات واللُّغات الَّتي لا حدودَ لَها، ولكن ـ للأسف ـ الغالبيَّة تهتمُّ بإضاعة الوقت، إذا جاز لنَا التَّعبير.

إنَّ إدبارَ عامٍ وإقبالَ آخرَ يدعونا لمزيدٍ من التَّأمُّل والتَّفكُّر في ما مضى من هذه الحياة، بغية الاستفادة من الجوانب الإيجابيَّة الَّتي مارسناها في حياتنا، والنَّظر إلى الجوانب الأُخرى بعَيْنِ الفاحص لها والقادر على تحويلها إلى جوانب خير يستثمرها فيما تبقَّى من عمره. إنَّ الفطنَ مَن يستفيد من تجارب الآخرين ويجعلُ مِنْها نبراسًا يستضيء به في عتمة ظروف الحياة القاسية ليستطيعَ تجاوز متاعبها ومِحنها الَّتي لا تنتهي، وما بداية كُلِّ عام إلَّا مرحلة مُهِمَّة نستطيع من خلالها الانطلاق من جديد نَحْوَ مراحل مُتجدِّدة في حياتنا تواكبُ أهدافنا الَّتي وضعناها لحياةٍ أكثر متعةً من ذي قَبل. عِندَها لن يهمَّنا سرعة الأيَّام أو بطئها، فالمُهمُّ هنا ماذا حقَّقنا؟ وماذا اكتسبنا بِغَضِّ النَّظر عن مقدار السُّرعة النسبيَّة؟ يكفي أن نعرفَ أنَّ الأسبوعَ سبعةُ أيَّام والسَّنة (٣٦٥ يومًا ورُبع اليوم)، فالعِبرة في المنجزات لا في الأيَّام.

د. خصيب بن عبدالله القريني

[email protected]