الأربعاء 08 يناير 2025 م - 8 رجب 1446 هـ
أخبار عاجلة

صور الوقف على القرآن الكريم

صور الوقف على القرآن الكريم
الأحد - 05 يناير 2025 02:57 م

نجوى عبداللطيف جناحي

10


لقَدِ اهتمَّ الواقفون على مرِّ العصور بالوقف على العبادات، فأوقفوا على كُلِّ ما يُعِين على العبادة، سواء بالوقف الخيري المباشر أو غير المباشر؛ إيمانًا مِنْهم بأنَّ الوقفَ على العبادات هو الأكثر ثوابًا وأجرًا، والأكثر تقرُّبًا إلى الله، فمن أمثلة الوقفِ المباشر: وقف المساجد، ووقف مدارس لتعليمِ القرآن الكريم، ومن أمثلة الوقف غير المباشر: أن يوقفَ عقارًا ثمَّ يُستثمر ويُخصَّص ريع استثماره للنَّفقة على العبادة، ويكُونُ الاستثمار إمَّا بالإجارة أو بالاستزراع الأراضي وبيع ثمرها أو غيرها من وسائل الاستثمار، ويُستفاد من ريع الاستثمار لدعمِ كلفة العبادات كالتَّكفُّل بنفقة الحجِّ والعمرة، والتَّكفُّل بإفطار الصَّائمين، وتعليم علوم الدِّين، وطباعة المصاحف، وغيرها.

ونقصدُ بالوقف الخيري هو حبسُ الأصلِ وتسبيل المنفعة، بحيثُ يُخصَّص ريعه ومنفعته لصالح ِوجُوهِ البِرِّ كالنَّفقة لسدِّ احتياجات الفقراء بأنواعها، والنَّفقة على كلفة العبادات، وغيرها من احتياجات المُجتمع. وقد أوقفَ المُسلِمون على القرآن الكريم منذُ بداية العهد الإسلامي في صوَرٍ مختلفة ونذكُر مِنْها:

1. الوقف على أُجرة مُعلِّمي الصِّبيان:

فقَدْ كانتْ وما زالتْ تُعقد حلقات في المساجد لتعليمِ الصِّبيان القرآن الكريم، سواء بحفظِه أو تجويده أو تفسيره، ويُنفق على هذه الحلقات من ريع استثمار أموال الوقف الخيري؛ لتوفيرِ وسائل الكتابة وأدوات التَّعليم الَّتي يحتاجها الصِّبيان للتَّعلُّم القرآن الكريم، وغيره من احتياجات أثناء الحلقة التَّعليميَّة كتوفير والماء، أو هدايا تشجيعيَّة أو مكافأة للمُعلِّمِين الَّذين تفرَّغوا لتعليمِ القرآن.

2. الوقف على طباعة المصاحف وتوزيعها:

منذُ عهد عثمان بن عفان ـ رضِيَ الله عَنْه ـ بدأت فكرة نسخ المصحف الشَّريف حيث نُسخ في عهده سبع نسخ (فقَدْ روى ابن أبي داود عن أبي حاتم السجستاني قال: «لما كتب عثمان المصاحف حين جمع القرآن كتبَ سبعة مصاحف فبعثَ واحدًا إلى مكَّة وآخر إلى الشَّام وآخر إلى اليمن، وآخر إلى البحرين، وآخر إلى البصرة، وآخر إلى الكوفة، وحبسَ بالمدينة واحدًا»)، ومع تطوُّر وسائل الكتابة، من صناعة الأقلام والأوراق، إلى ظهور المطابع بأنواعها انتشرتْ طباعة المصحف الشَّريف، وباتَتِ المساجد والمنازل، والمدارس عامرةً بأعدادٍ هائلة من المصاحف، ونذكُر في هذا المقام مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشَّريف الَّذي أنشئ عام 1982م.

3. الوقف على مدارس ومراكز تعليم القرآن الكريم:

ومع انتشار الإسلام في مختلف بقاع الأرض، وزيادة أعداد المُسلِمِين، ظهرتْ مؤسَّسات تعليميَّة لتعليمِ القرآن الكريم في صوَر مختلفة، تضمُّ هذه المدارس والمراكز صفوفًا دراسيَّة تعليميَّة، ومكتبات لعلوم القرآن الكريم.. ومن هذه المؤسَّسات التَّعليميَّة المُختصَّة بعلوم القرآن الكريم: مدرسة قاسم المهزع في البحرين، والأزهر الشَّريف، كما أُنشئت الهيئة العالَميَّة لعلوم القرآن الكريم بقرار المجلس التَّأسيسي لرابطة العالَم الإسلامي، في 4 شعبان 1421هـ.

4. مراكز لترجمة القرآن:

ومع اتِّساع الدَّولة الإسلاميَّة وانتشار الإسلام، ودخول غير النَّاطقين باللُّغة العربيَّة الإسلام ظهرتِ الحاجةُ لترجمةِ القرآن للُّغات المختلفة لتسهيلِ فهمِ القرآن على الأجانب، حيث كان يُترجم تفسير القرآن الكريم، فالقرآن يستحيل ترجمته؛ كونه معجزًا بلفظه، وقد أنشئت مراكز ترجمة القرآن الكريم منذُ العهد الأموي، واستمرَّتْ حتَّى عصرنا الحاضر، حيث يُصدر مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشَّريف سنويًّا الآلاف من كتُب تفسير القرآن الكريم بمُعْظم لُغات العالَم المختلفة الشَّائعة مِنْها كاللًّغة الإنجليزيَّة والفرنسيَّة ولُغة الأوردو، وغير الشَّائعة مِنْها من شتَّى أنحاء العالَم.

5. الوقف على المنصَّات الإلكترونيَّة للتَّحفيظ: في عهدِ انتشار التكنولوجيَّات، ابتُكرتْ منصَّات إلكترونيَّة تعليميَّة في شتَّى العلوم، حيث يتمُّ من خلال تلك المنصَّات بثُّ دروس تعليميَّة تفاعليَّة، وطرح امتحانات، وعرض شروح ودروس مكتوبة، كما تتضمَّن كتُبًا ومكتبات إلكترونيَّة، ومنصَّات تُتيح للطَّالب أو المستخدِم للمنصَّة طرح الأسئلة والاستفسارات والحصول على إجابات عَلَيْها بأُسلوبٍ تفاعلي.. وبطبيعة الحال، تكلِّف هذه المنصَّات مبالغ كبيرة لإنشائها وإدارتها، وقد وظّف ريع استثمار الوقف الخيري لإنشاء وتشغيل منصَّات مُتخصِّصة لتعليمِ القرآن الكريم حفظًا وتلاوةً وتفسيرًا، كما تتضمَّن جميع علوم القرآن الكريم مِثل: عِلم النَّاسخ والمنسوخ، وعِلم أسباب النُّزول، وإعراب القرآن وغيرها من العلوم المتعلِّقة بالقرآن الكريم، فالمنصَّات الإلكترونيَّة عبارة عن مدارس تفاعليَّة تعلِّم الطَّلبة عن بُعد.

6. الوقف على متاحف القرآن الكريم:

أنشئت في العديد من الدوَل الإسلاميَّة متاحف مُتخصِّصة للقرآن الكريم، وتحفظُ هذه المتاحف كُلَّ ما يتعلق بالقرآن الكريم، سواء المصاحف المطبوعة قَبل مئات السَّنوات، بخطوطها المختلفة، والأقلام والأدوات الَّتي خطَّتْ بها المصاحف، وكراسي المصاحف المختلفة، والمحافظ الَّتي كانتْ تحفظُ فيها المصاحف، وغيرها من المتعلِّقات الخاصَّة بالقرآن الكريم المختلفة، ونذكُر من هذه المتاحف: متحف القرآن الكريم بالمدينة المنوَّرة بالمملكة العربيَّة السُّعوديَّة، وبَيْت القرآن الكريم في مملكة البحرين، ومتحف أعلام القرآن عَبْرَ التَّاريخ بالشَّارقة، كما يوجد أقسام مُتخصِّصة بالقرآن الكريم في العديد من المتاحف الوطنيَّة المختلفة. ويُمكِننا القول إنَّ الأوقافَ الخيريَّة قد وظّفتْ بشكلٍ مباشر أو غير مباشر لدعمِ علوم القرآن الكريم في صوَرٍ مختلفة، لأهميَّة هذا العِلم وسيظلُّ المُسلِمون يُطوِّرون ويُبدعون في أساليب نشر القرآن وتعليمه معتمِدِين على دعم الوقف الخيري... ودُمْتُم أبناء قومي سالِمِين.

نجوى عبداللطيف جناحي

كاتبة وباحثة اجتماعية بحرينية

متخصصة في التطوع والوقف الخيري

[email protected]

Najwa.janahi@