رُبَّما بعضكم صادَف بائعَ فواكِه أو لحوم ينصح بعض زبائنه بعدم اقتناء البضاعة في ذلك اليوم، وعَلَيْه أن يأتيَ في اليوم التَّالي، وأحيانًا يرشدُه» ناصحًا» بأخذ أقلّ كميَّة لتمشيةِ أُموره لهذا اليوم. بالنِّسبة للزَّبائن يعتقدون «جازمين» أنَّ البائع مخلصٌ لَهُم فيترتب على ذلك اقتناء البضاعة في المستقبل دُونَ تدقيق، وهنا لا أنفي وجود أُناس صادقِين وطيبِينَ من الباعة، لكن في الواقع يستخدم الكثير من الباعة البسطاء هذه الطَّريقة لكسبِ ثقة الزَّبائن. فالبائع فضَّل عدم البيع؛ لأنَّه ـ كما زعمَ غير مقتنع ـ بجودة بضاعته، وفي الوقت نَفْسه يبيع للآخرين.
رُبَّما، ولا يُمكِن الجزم بذلك، أنَّ العديد من منصَّات البيع بالتَّجزئة في العالَم، يتعاملون بنَفْسِ الطَّريقة الَّتي تحدَّثنا عَنْها في الأسواق البسيطة، وفي قِطاعات شَعبيَّة في الغالِب.
فهل عَلَيْنا تصديق ما تنشره منصَّات تلك الشَّركات بخصوص استخدامها برامج الذَّكاء الاصطناعي لحذفِ ملايين التَّعليقات الزَّائفة؟ أم أنَّ المرءَ يُصبح في حيرةٍ من أمْرِه، بعد استشراء ظاهرة اعتماد الزَّبائن الجُدد على تعليقات وتقييمات الزَّبائن السَّابقين، ومنذُ سنوات وتحذيرات في مواقع ومنصَّات التَّواصُل الاجتماعي تنبّه لعدمِ الوقوع في التَّعليقات المنشورة عن منتج أو فندق ومطاعم وغيرها، وظهرت دراسات عالَميَّة بهذا الخصوص تُشير إلى الاهتمام المتزايد للمتبضِّعين من خلال شبكة الإنترنت من الاطِّلاع على مراجعات سابقة، وتقول دراسة عالَميَّة أنَّ ما يقرب من (95) بالمئة من العملاء إنَّهم يقرؤون المُراجعات قَبل الشِّراء. ويقول الكثيرون إنَّهم سيقرؤون ما يصل إلى (10) مراجعات قَبل اتِّخاذ قرار الشِّراء. ويريد (43) بالمئة رؤية (100) مراجعة أو أكثر قَبل أن يعتقدوا أنَّ المنتَج جدير بالثِّقة.
وتحدَّثنا في مقال سابق عن الأسواق الجديدة الَّتي توظِّف الكثيرين لكتابةِ ونشرِ التَّعليقات والتَّقييمات، حتَّى أنَّ تدريب هؤلاء يتمُّ وفقَ خطوات علميَّة مدروسة بعنايةٍ بحيث يصعب على المرء التَّفريق بَيْنَ الزَّائف والحقيقي في تلك التَّعليقات، ممَا يتسبَّب بوقوع الكثير من الزَّبائن في حبائل تلك الممارسات الَّتي تدخل ضِمْن زوايا الغِش والاحتيال، وطالَما اُصيب الكثيرون بالخَيبة بعد أن حجزوا في فنادق نشرتْ صوَرًا وفيديوهات مُبهرة، وتحدَّث زبائن «مفترضون» عن المواصفات البديعة من خلال تجربتهم للمكان، ورُبَّما يبعد هؤلاء آلاف الكيلومترات عن تلك المَرافق السياحيَّة، ورُبَّما لا يملكون حتَّى جوازات سَفَر.
في السَّابق كانتِ الإعلانات التلفزيونيَّة تُغري الزَّبائن وانتقل الحال إلى المؤثِّرين، الَّذين يروجون للمنتَجات، وفي ذات السِّياق تمَّ استخدام موظَّفين مجهولين في التَّرويج من خلال المراجعات (تعليقات وتقييمات).
ما نريد قوله في هذا الحيِّز، هل يَجِبُ عَلَيْنا الحذر ممَّا تنشره الشَّركات الكبرى عن حذف ملايين المراجعات؟ (على سبيل المثال) قَبل فترة قصيرة أعلنتْ أكبر شركة بيع بالتَّجزئة عن حذفِ أكثر من عشرين مليون تغليف مزيَّف، وذكرتْ أنَّ الذَّكاء الاصطناعي اكتشف ذلك (الاحتيال)، هل نُصدِّق ذلك؟
العالَم يتطوَّر بسرعة ولا يخلو من اضطراب.
وليد الزبيدي
كاتب عراقي