الاثنين 06 يناير 2025 م - 6 رجب 1446 هـ
أخبار عاجلة

الإعجاز الصوتي فـي القرآن الكريم«نماذج لأحرف الهمزة والقاف والصاد» «3»

الأربعاء - 01 يناير 2025 04:55 م
20

.. وأما مؤمن آل فرعون فقصته أنه حزقيل بن صبورا، وكان رجلًا من آلِ فرعون ـ حسب النص القرآنيـ أي من عشيرته ، وينقل الطبرسي في(مجمع البيان)عن السدي، ومقاتل بن سليمان أنهما قالا:(كان ابنَ عمِّ فرعونَ، وكان أولَ مَنْ آمن بموسى ـ عليه السلام ـ ولكنه كان يكتم إيمانَه، وقد أنزل الله تعالى في إيمانه آياتٍ بيناتٍ في سورة قد سُمِّيَتْ بسورة المؤمن ـ وهي سورة غافر ـ نسبةً إليه، وفيها يقول الله تعالى:(يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ).

وذكر قولَه هذا دفاعًا عن سيدنا موسى ـ عليه السلام:(وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ)، فهو من السابقين إلى الإيمانِ من قوم موسى ـ عليه السلام ـ عاش في آلِ فرعونَ متكتِّمًا على إيمانه، ولم يكن يؤولُ أمرُه إليه، بلْ آلَ إلى ربِّه بالطاعة، فآمن بالله ربًّا، وكفر بفرعونَ إلهًا، وأمَّا امرأته فإنها ماشطةُ بنتُ فرعون، وكانت مؤمنةً من إماء الله الصالحات، تحملت الكثير في سبيلِ إيمانها، وحبِّها لربها، وبَيَّنَتْ أنَّ فرعونَ لا وزن له، ولا يعلم الغيبَ؛ بدليل أنها امرأتُه، ولا يعلم شيئًا عن إيمانها، لو كان ربًّا يعلم الغيب لَعَلِمَ بإيمانِها، ولرآها منْ أيِّ مكانٍ هو فيه، لكنه رجلٌ، متخلِّفٌ، مغرورٌ، متكبِّرٌ، حقيرٌ، لا يمكنه إنقاذُ نفسه من الموتِ، والهلاك كما رأيناه لحظة غرقه.

ماذا ورد عن هذا الرجل المؤمن؟، لقد ذكره الله تعالى بالإيمان، والرجولة، وسرعة الدفاع عن الحقِّ، ولو كلَّفه ذلك حياتَه كلَّها ابتغاءَ وجهِ الله، فخلَّده الله تعالى في كتابه؛ لصدقه، ولنتعلم منه معانيَ ساميةً، وتربوياتٍ عاليةً، قال تعالى:(وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ).

ناقشهم هذا الرجلُ المؤمنُ مناقشةً عقليةً، ومنطقية، وهادئةً، وكان في نقاشه هذا قاهرًا لكلِّ العقول، فقال الرجل المؤمن (من آل فرعون): كيف تفترضون فقط أنه كاذب؟، فماذا لو كان صادقًا؟!، ما الموقف؟، كيف ستقابلون مَنْ أرسله، وقد قتلتم رسولَه..؟!، فما كان لفرعونَ المتغطرسِ الجبارِ المتألهِ إلا أن ينكِّلَ به، وكذلك وزيرُهُ هامانُ الذي صَمَتَ، ولم يعقبْ على هذه الحجة الدامغة؛ بسبب أنه لا يملك الصلاحية للردِّ على ابن فرعون، ويُعَدُّ وريثَ العرشِ(الذي دافع عن سيدنا موسى) وكذلك موقف فرعون نفسه موقف التجاهل فقط لَمَّا سمع بقوله:(ما أريكم إلا ما أرى..)، كأنه ديكتاتور بالمعنى العصري، أو طاغية من الطغاة الكبار، وهذا لا يكون إلا موقفَ أبٍ مُحِبٍّ لابنه، ولو كان قريبًا فقط من فرعونَ باستثناء ابنه المحبوب، هل كان لِيسكتَ هامانُ على قوله ؟!.

قال ابن كثير:(المشهور أن هذا الرجل المؤمن كان قبطيًا ـ أي مصريًّا ـ من آل فرعون)، وقال السدي:(كان ابنَ عَمِّ فرعون)، ويقال:(إنه الذي نجا مع موسى ـ عليه الصلاة والسـلام)، واختاره ابنُ جرير، وردَّ قول مَنْ ذهب إلى أنه كان إسرائيليًّا؛ لأن فرعون انفعل لكلامه، واستمع إليه، وكفَّ عن قتل موسى ـ عليه السلام ـ ولو كان إسرائيليًّا لأوشك أن يعاجلَه بالعقوبة؛ لأنه منهم، وقال ابن جريج عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما:(لم يؤمن من آلِ فرعونَ سوى هذا الرجل، وامرأة فرعون، وهو الذي قال الله تعالى فيه:”وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ(“، رواه ابن أبي حاتم.

د.جمال عبدالعزيز أحمد

 كلية دار العلوم ـ جامعة القاهرة - جمهورية مصر العربية

[email protected]