الاثنين 06 يناير 2025 م - 6 رجب 1446 هـ
أخبار عاجلة

فرس الطائي ما زالت تتجول فـي العقل العربي

فرس الطائي ما زالت تتجول فـي العقل العربي
الأربعاء - 01 يناير 2025 02:50 م

عادل سعد

50

إذا صحَّتِ المعلومة الإحصائيَّة الجديدة الَّتي تُشير إلى أنَّ (40) بالمئة من الغذاء في الوطن العربي يذهبُ هدرًا من خلال بقايا الطَّعام الَّذي نُخلِّفه على موائدنا، أقول إذا صحَّتْ هذه المعلومة الطَّازجة يكُونُ العرب قد تصدَّروا قائمة الشُّعوب (المتميزة) في توريث المزيد من كميَّات الطَّعام الضَّائع مع تَعدُّد نَوْعيَّته.

•بطبيعة الحال، النِّسبة المُشار إِلَيْها غير محسوبة بدقَّة إحصائيَّة، لكنَّ الرَّقم بدلالتِه التَّقريبيَّة يُمثِّل فضيحةً اقتصاديَّة واجتماعيَّة مجلجلة من أيَّة زاوية مقارنة أُخذت؛ لأنَّها تُلامس نِصْفَ الكميَّة نسبيًّا بالمقارنة مع أُمم أخرى تندفع الآن لخفضِ معدَّلات بقايا الطَّعام رغم أنَّ نسبةَ البقايا تتراوح بَيْنَ (10) إلى (15%).

•المُلاحظ أنَّ التَّبذير بالطَّعام بالمعدَّل المُشار إِلَيْه ليس مُشْكلةً مقطوعةً من سياق صعوبات اقتصاديَّة عربيَّة أُخرى.

•لنتداولْ بالأمْرِ وفق حقائق الواقع وليس من زوايا افتراضيَّة قد نختلف عَلَيْها.

•هناك انحسارٌ واضح في مساحات الأراضي الزِّراعيَّة بسببِ الجفاف المتأتِّي من الاحتباس الحراري، أي انضمام المزيد من الأراضي إلى قائمة التَّصحُّر رغم الجهود الَّتي تُبذل لإصلاح أراضٍ بُور، وبمعدَّل عامٍّ هناك خمسة كيلومترات مربَّعة تنضمُّ إلى هذه القائمة سنويًّا وفق مسوح موَثَّقة، وحتَّى لو كانتِ النِّسبة أقلَّ من ذلك، لكنَّ المعادلةَ بَيْنَ هذه النِّسبة ونسبة الأربعين بالمئة من الطَّعام المهدور يكُونُ المؤشِّر تعميقًا لهذه المفارقة الاقتصاديَّة المؤلمة.

•الظَّاهرة الثَّانية تتعلق بارتفاع معدَّلات العوز الغذائي في مناطق عربيَّة إلى حدِّ المجاعة وليس عَلَيْك سوى أن تلقي نظرةً إلى السُّودان والأراضي الفلسطينيَّة المُحتلَّة، وفي مناطق عربيَّة أخرى.

•الظَّاهرة الثَّالثة الخاصَّة بالهجرة من الأرياف إلى المُدُن وما ترتَّب على ذلك من تصدير أفواه تستهلك طعام لا تنتجه بَيْنَما كان الوضع غير ذلك، وإذا أضفتْ إلى الحالة الزِّيادة الحاصلة في عدد السكَّان يكُونُ الأمْرُ غاية في السّلبيَّة قياسًا على العادات الَّتي ضربتِ المُجتمعات العربيَّة في الاعتماد على المنتجات الغذائيَّة الجاهزة المتوافرة في الأسواق، أمَّا الصورة الأتعس في ذلك انهيار القناعات لدَى ربَّات البيوت بترفعهنَّ عن الطَّبخ، الأمْرُ الَّذي يزيد من الأعباء الماليَّة على الأُسرة ويدخلها في ما يصطلح عَلَيْه الفيلسوف الألماني اريك فروم متواليات التوتُّر والتقلُّب النَّفْسي.

•لقد باتَ الاستسهال في تغطية متطلَّبات الغذاء من الوجبات الجاهزة مساهمًا شديد الوطأة في التَّعازل الحاصل الآن داخل نسيج الأُسرة الواحدة.

•وفق إحصائيَّة لا شكوك بشأنها أنَّ الطَّبخ في البَيْتِ أنسَبُ ماليًّا لميزانيَّة العائلة خصوصًا مع وجود ربَّات بيوت مدبِّرات بالمعنى المجازي للتَّدبير.

•لقَدِ انتبهَتِ العديدُ من الدوَل الغنيَّة إلى الإسراف في هدرِ الطَّعام وبدأتْ تتبنَّى سياسات ترشيديَّة.

•هناك مساعٍ بريطانيَّة لخفضِ الهدر في الطَّعام من معدَّلات قِيمتها السَّنويَّة البالغة أكثر من مليارَي جنِيه إسترليني، وفي فرنسا تمَّ فرضُ ضرائب على العوائل الَّتي تضمُّ نفايات منازلها بقايا طعام أعلى من المعدَّلات المقبولة، وفي الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة مع ارتفاع ظاهرة المُشرَّدين إلى ما يزيد على (38) مليون شخص تتداول الآن نُخب اجتماعيَّة تطوُّعيَّة بشأن إمكانيَّة تأمين طعام لَهُم من بقايا الأكل الَّذي ما زال يذهب إلى مكبَّات القمامة، وفي روسيا الَّتي تتمتع بامتياز وفرة الغلات النَّقديَّة تشهد منذُ سنوات تدوير الرَّغيف المنتج هناك لتقليصِ كميَّة اللّب في داخله الَّذي غالبًا ما يُرمَى.

•المُشْكلة عربيًّا في هذا الشَّأن، ما زالت الولائم تتصدر مقاييس الكرم، وإذا كانتْ بعض الشُّكوك تحوم حَوْلَ صحَّة ذبح حاتم الطَّائي لفرسِه من أجْلِ إطعام ضيوفه يظلُّ التَّكريم بالولائم الكبيرة مقياسًا ساذجًا في كُلِّ الأحوال.

•إنَّ تدويرَ أولويَّاتنا في المتطلَّبات الاقتصاديَّة للعام الجديد 2025 تقتضي ضِمْن ما تقتضيه ترشيد بقايا الطَّعام لتقليلِ نسبة الجائعين العرب!!

عادل سعد

كاتب عراقي

[email protected]