الثلاثاء 07 يناير 2025 م - 7 رجب 1446 هـ
أخبار عاجلة

رأي الوطن : العام الجديد والبحث عن قيم الإنسانية والعدالة المفقودة

الثلاثاء - 31 ديسمبر 2024 06:40 م

رأي الوطن

40

مع إشراقةِ فجرِ العام الجديد 2025، تتجدَّد تطلُّعات البَشَريَّة نَحْوَ تحقيق الأمنِ والسَّلام بعد عام مليء بالأزمات الإنسانيَّة العميقة، حيثُ شهدَ العام 2024 استمرارَ الحروب والصِّراعات الَّتي خلَّفتْ كوارثَ غيرَ مسبوقةٍ. فوفقَ تقارير الأُمم المُتَّحدة ومنظَّمة اليونيسف، يعيشُ أكثر من (473) مليونَ طفلٍ في مناطق نزاع، محرومين من التَّعليم والرِّعاية الصحيَّة والغذاء، في مشهدٍ يُهدِّد مستقبل الأجيال القادمة، كما تزايدتْ معدَّلات الفقر المُدقع بشكلٍ ملحوظ، حيثُ أُجبر ملايين على العيش بأقلَّ من دولارَيْنِ يوميًّا بسببِ النِّزاعات والتَّهجير القسري. ومع بدايةِ عام 2025، يبقَى الأملُ معقودًا على عودةِ العالَم إلى رُشده، لإنهاء الحروب والعمل من أجْلِ الإنسانيَّة، الَّتي أوشكَتْ على الفناء بفعل هذا التَّناحر غير المُبرَّر.

التَّقارير الَّتي خرجتْ من عددٍ من المنظَّمات الدّوليَّة وعلى رأسها تقرير مكتب الأُمم المُتَّحدة لتنسيقِ الشُّؤون الإنسانيَّة قد كشفَتْ أنَّ عام 2024 كان أحَد أكثر الأعوام قسوةً على المَدَنيِّين، حيثُ أدَّى النِّزاع المُسلَّح إلى نزوح (123) مليون شخص بشكلٍ قسري، في زيادةٍ سنويَّة مستمرَّة على مدار (12) عامًا، وهذه الأزمات امتدَّتْ لِتشملَ مناطق عديدة، أبرزها إفريقيا والشَّرق الأوسط وآسيا ولم تَنجُ مِنْها أوروبا أيضًا، حيثُ أدَّى النَّزاع إلى تفاقُم الفقر والجوع وانتشار الأمراض المُعْدية مِثل الكوليرا والملاريا في مُخيَّمات اللاجئين والمناطق المُتضرِّرة، فقَدْ أشارتْ منظَّمة الصحَّة العالَميَّة إلى أنَّ ما يزيدُ على (70%) من السكَّان في مناطق النِّزاعات يُعانون من نقصٍ حادٍّ في خدمات الرِّعاية الصحيَّة، ممَّا أسفرَ عن وفاة مئات الآلاف نتيجة الأمراض القابلة للعلاج، وتُمثِّل بدايةَ عام 2025 فرصةً أمام المُجتمع الدّولي لاتِّخاذ خطوات حازمة لإنهاء هذه المآسي.

إلى جانب الحروب، يُعاني العالَم من أزمةٍ مناخيَّة متفاقِمة تزيد من معاناة الفئات الضَّعيفة، حيثُ شهدَ عام 2024 كوارثَ مناخيَّة أثَّرتْ على أكثر من (93) مليونَ شخصٍ، مع تجاوُز درجات الحرارة العالَميَّة مستويات غير مسبوقة. هذه الكوارث لم تقتصرْ على تدمير المنازل وسُبل العيش، بل أسفرَتْ أيضًا عن تفشِّي أمراض مرتبطة بسُوءِ التَّغذية ونقصِ المياه النَّظيفة، مِثل الإسهال الحادِّ والتَّيفوئيد. في الوقتِ ذاته، يعوق العُنف والنُّزوح إمكان الحصول على الغذاء والرِّعاية الصحيَّة، ما يؤدِّي إلى زيادة معدَّلات سُوء التَّغذية الحادِّ بَيْنَ الأطفال، خصوصًا في إفريقيا وآسيا، ومواجهة هذه التَّحدِّيات تتطلَّب خطَّة شاملة للتَّصدِّي لأزمةِ المناخ، مع تعزيز الدَّعم الإنساني في المناطق الأكثر تأثرًا.

الخلاصة أنَّه ومع بدء عام 2025، يَجِبُ أنْ نتعلَّمَ من دروس الماضي لبناءِ مستقبلٍ أكثر عدلًا واستقرارًا، حيثُ يُمثِّل العام الجديد فرصةً لإعادة بناء الثِّقة بَيْنَ الشُّعوب، والعمل على إنهاء النِّزاعات المُسلَّحة، وتقديم المساعدات الإنسانيَّة للمُحتاجين، ومعالجة الأزمات الاقتصاديَّة والصحيَّة، خصوصًا وأنَّ التَّقاريرَ تُشير إلى أنَّ أكثرَ من (1.3) مليار شخص يعيشون في فقرٍ مدقع، بَيْنَما تُواصل الأمراض المُعْدية حصْدَ الأرواح في المناطق المُتضرِّرة، لذا لا يُمكِن للعالَم أنْ يستمرَّ في تجاهُلِ هذه الحقائق، بل يَجِبُ تَبنِّي سياسات شاملة تُعزِّز قِيَم التَّعاون والتَّضامن، وترَى أنَّ تحقيقَ الأمنِ والسَّلام والتَّنمية المستدامة ليس رفاهيَّة، بل ضرورة تفرضها مسؤوليَّتنا المشتركة تجاه الأجيال القادمة، لِيكُنْ هذا العام نقطةَ انطلاقٍ نَحْوَ مستقبل تَسُودُه قِيَم الإنسانيَّة والعدالة (التي داستها أقدام الاستعمار والغزو والأنانية والصراعات)، ويبتعد فيه العالَم عن دائرة الصِّراعات والمعاناة.