الأحد 05 يناير 2025 م - 5 رجب 1446 هـ
أخبار عاجلة

رحاب : جبل الصلاة: حوار الروح والطبيعة

رحاب : جبل الصلاة: حوار الروح والطبيعة
الاثنين - 30 ديسمبر 2024 02:25 م

د ـ أحمد بن علي المعشني

50

انطلقنا من شيروخ إلى حركاك في أعالي جبل الصلاة (سمحان)، وكانت التجربة أكثر من مجرد صعود جبلي؛ كانت لحظة استنارة روحية تتناغم فيها خطواتنا مع طبيعة جبلية خلابة تأخذك إلى عالم آخر، بعيدًا عن روتين الحياة وصخب مشاغلها. كانت الرحلة فرصة لتجديد الروح، والتأمل في الطبيعة والبيئة بكل مكوِّناتها.

قبل ثماني سنوات، كانت أول مرة أعتلي فيها جبل الصلاة برفقة بعض أقاربي، كانت رحلة لا تُنسى، حيث تفاعلنا مع الطبيعة بشكل لم أكن أتصوره من قبل، حينها كانت الروائح العطرة للأشجار، ومجسمات الصخور بتنوعاتها، وطبيعة التضاريس التي تأثرت بعوامل التعرية، تثير في نفسي مشاعر عميقة من التناغم الداخلي، اليوم، وأنا أكرر التجربة من جديد في نفس المسار تستيقظ بداخلي تلك المشاعر وأنا أعيش التجربة من جديد بكل تفاصيلها.

أنهينا صلاة الجمعة في جامع جوفا الصغير، انطلقنا بالسيارات إلى عين شيروخ، حيث بدأنا مسيرتنا عبر ممرات جبل الصلاة، وكان الهواء منعشًا، والهدوء مهيبًا، وهنا تجد الروح سكينتها، وصلنا إلى عين شيروخ التي تتموضع أسفل الجبل وسط تناغم بديع من الصخور والأشجار والمنحدرات والشعاب.

استمتعنا بالنظر إلى مسارنا الذي سيقودنا إلى قمة الجبل، الذي يحمل في تلافيفه الكثير من المنحوتات الصخرية والكهوف، ومن بينها آثار قديمة يعتقد البعض أنها مقابر داثرة قبل الإسلام، بينما يرى آخرون أنها مدافن للجن. لكل التفسيرات والتأويلات طابعها الخاص؛ لكن الأهم من ذلك كله هو لحظات الشعور التي تدخلك في حالة من السلام والسكينة.

كانت مسارات الجبل وعرة في بعض الأماكن، ولكننا وجدنا راحتنا في التفاعل مع طبيعة المكان، وكان منظر الأشجار والنباتات المختلفة يبعث فينا شعورًا بالهدوء العميق، بينما كانت الصخور تعكس صمود هذا الجبل عبر العصور، واصلنا صعودنا نحو قمة جبل الصلاة عبر ممر حركاك الضيق، الذي كان يحمل لنا تحديًا جديدًا. لكن الطابع الاستكشافي والممتع للطبيعة ساعدنا في تجاوز التعب. وصلنا إلى قمة الجبل في الساعة الرابعة والنصف مساءً، وكانت تلك اللحظة، التي عشنا فيها فرحة الوصول، قد أضاءت فينا شعورًا عميقًا بالتحدي والإنجاز.

ومع بدء نزولنا، بدأ الليل يلبس الجبل، وتحولت التجربة إلى تحدٍّ آخر، كان الظلام يحجب الرؤية، فكان علينا الاعتماد على حواسنا الداخلية في التنقل. كانت هذه لحظة خاصة جدًّا بالنسبة لي، حيث قررت أن أترك مصباح هاتفي مطفأ، وأعتمد فقط على إضاءة داخلي في توجيه خطواتي، شعرت وكأنني أعود إلى طفولتي عندما كنت أعيش في الجبل قبل أن أعرف الكهرباء، كان الطريق المظلم يحمل لي تجربة غنية بالمشاعر والتأمل.

كانت رحلتنا مليئة بالسلام الداخلي والتأمل العميق في معنى الحياة، والقدرة على التنقل في ظلال المجهول بثقة وتوازن، ومع وصولنا إلى السيارتين عند عين شيروخ في الساعة السابعة والنصف مساءً، كان كل واحد منا يحمل في قلبه شعورًا بالامتنان لتلك اللحظة التي لا تتكرر، كانت رحلة استنارة بالمشي الجبلي، ليس فقط من خلال الجبل والطبيعة، ولكن من خلال التواصل العميق مع الذات ومع الحاضر. كانت هذه الرحلة حقًا تجربة مثيرة تجمع بين الاستكشاف الجسدي والتأمل الروحي، وتفتح أمامنا آفاقًا جديدة للوعي والفهم، ففي كل خطوة على المسار، كانت الطبيعة تعلمنا درسًا في الصبر، والهدوء، والتوازن الداخلي، مما يجعلها تجربة لا تُنسى.

د. أحمد بن علي المعشني

رئيس أكاديمية النجاح للتنمية البشرية