السبت 04 يناير 2025 م - 4 رجب 1446 هـ

رأي الوطن : جرائم الحرب الصهيونية تتوالى

الأحد - 29 ديسمبر 2024 06:35 م

رأي الوطن

30


تواصلُ آلة الحرب الصهيونيَّة ارتكابَ أبشعِ الجرائمِ بحقِّ الشَّعب الفلسطيني الأعزل في قِطاع غزَّة، مستهدِفةً البَشَر والحجَر دُونَ تمييزٍ، ويُعَدُّ استهداف مستشفى كمال عدوان أحدَث مظاهر هذا العدوان الهمجي؛ كونه آخر المنشآت الصحِّيَّة الفاعلة في شمال القِطاع المُدمَّر بعد تعرُّضِه لهجماتٍ وحشيَّة متكرِّرة من قِبل قوَّات الاحتلال. هذا الاعتداء لا يُمثِّل فقط جريمةً ضدَّ الإنسانيَّة، بل يعكسُ استراتيجيَّة مُمنهجة تهدف إلى تفكيك النِّظام الصحِّي في غزَّة وإبادة مُقوِّمات الحياة الأساسيَّة، في ظلِّ صمْتٍ دولي يرقَى إلى مستوى التَّواطؤ. فالقصفُ الصُّهيوني الَّذي طال مستشفى كمال عدوان لم يكُنْ حادثًا عرضيًّا أو نتيجة ثانويَّة للصِّراع، بل هو جزء من سياسة واضحة تستهدف المؤسَّسات الصحِّيَّة لإنهاك الشَّعب الفلسطيني، وفرض حصار مطبق على كُلِّ مُقوِّمات بقائه.

إنَّ تلك الهجمات تُمثِّل تفكيكًا منهجيًّا للنِّظام الصحِّي، ما يُعَدُّ حكمًا بالإعدام على عشرات الآلاف من الفلسطينيِّين الَّذين يعتمدون على هذه المنشآت للحصولِ على الرِّعاية الصحِّيَّة، فالمستشفى الَّذي كان يؤوي (60) من العاملين الصحِّيِّين و(25) مريضًا في حالة حرجة، بَيْنَهم مَرْضَى على أجهزة التَّنفُّس الصِّناعي، أُجبر على الإخلاء تحت تهديدِ القصف، كما نُقلَ المَرْضَى إلى المستشفى الإندونيسي الَّذي بِدَوْره يُعاني من الدَّمار وعدم القدرة على العمل، وتنتهك هذه الأفعالُ بشكلٍ صارخٍ القانونَ الدّولي الإنساني الَّذي يكفلُ حماية المنشآت الصحِّيَّة والعاملين فيها، ويجعلُ الاحتلال الإرهابي مسؤولًا عن ارتكاب جريمةِ حربٍ مكتملة الأركان، حيث يُمارس الاحتلال سياسة (الأرض المحروقة) لتحويل قِطاع غزَّة إلى منطقةٍ غير صالحةٍ للحياة، وذلك عن طريق تدمير البنية الأساسيَّة، واستهداف المَدَنيِّين، وتهجير السكَّان قسريًّا.

الغريب أنَّ هذه الجرائم تُرتكَب بشكلٍ علني أمام أنظار العالَم، مع سعيِ الاحتلال إلى تصعيد المجازر وتهجير سكَّان غزَّة، في تحدٍّ صارخٍ لكُلِّ القوانين والأعراف الدّوليَّة، والأغرب أنَّه، رغم الفظائع المستمرَّة، لم يُترجَم الغضبُ الدّولي إلى خطواتٍ عمليَّة لوقفِ هذا العدوان. فالبيانات الَّتي تُصدرها المنظَّمات الدّوليَّة والإقليميَّة، وعلى رأسها الأُمم المُتَّحدة ومنظَّمة الصحَّة العالَميَّة، تظلُّ مجرَّد تصريحات جوفاء تُعبِّر عن (القلَقِ البالغ)، لكنَّها لا تحملُ أيَّ ضغطٍ فعلي على الاحتلال. ما يجعلُ تلك المؤسَّسات الأُمميَّة تفقدُ مصداقيَّتها مع استمرار التَّواطؤ العلَني في وَجْه هذه الانتهاكات، فالمأساة في غزَّة تتطلَّب استجابةً دوليَّة حازمة، ويَجِبُ على المُجتمع الدّولي، ممثلًا بمجلس الأمن والمُنظَّمات الحقوقيَّة، تفعيل قراراته المتعلِّقة بوقفِ إطلاقِ النَّار وضمان إدخال المساعدات الإنسانيَّة. كما يَجِبُ محاسبةُ قادةِ الاحتلال على جرائمهم بحقِّ المَدَنيِّين والمنشآت الحيويَّة، وفقًا للقوانين الدّوليَّة.

يظلُّ الشَّعب الفلسطيني مثالًا للصُّمود والإصرار على نَيْلِ حقوقِه المشروعة وسط هذا العدوان السَّافر، فالفلسطينيون يؤكِّدون للعالَم أجمع وللكيان الصهيوني الإرهابي ـ بصمودهم هذا ـ أنَّ استهدافَ المستشفياتِ والمنشآت الحيويَّة لن يُضعفَ إرادتهم، بل سيُعزِّز تمسُّكَهم بحقِّهم في الحُريَّة والعدالة، وهو ما يجعلُ تلك الجرائم الَّتي تُرتكَب بحقِّ الشَّعب الفلسطيني، وعلى رأسها استهداف مستشفى كمال عدوان، ليسَتْ مجرَّد أحداث عابرة، بل هي صفحة سوداء تُسجَّل في تاريخ الإنسانيَّة. ومهما طالَ أمَدُ العدوان والتَّخاذل الدّولي، فإنَّ الشَّعب الفلسطيني سيبقَى صامدًا، مطالِبًا بحقوقِه المشروعة، ومقاوِمًا لكُلِّ أشكال الإرهاب والاضطهاد، رافضًا أيَّ انتقاصٍ لثوابته الرَّاسخة.