مئات آلاف الموظَّفِين يعملون خلف حواسيبهم أو هواتفهم النقَّالة لممارسة الغشِّ والخداع، يقتصر عمل هؤلاء على وضع إشارات الإعجاب والتَّعليق على منتَجٍ ما، قد يكُونُ بضاعة ورُبَّما منتجع أو مكان سياحي وحتَّى الكتابات والمنشورات المختلفة.
يُمارس هؤلاء الغشَّ والاحتيال على نطاقٍ واسع، وقد لا يَعْلَمُ الشَّخص الَّذي يجلس بالقرب مِنْهم أو في نَفْسِ الغرفة بممارساتهم، وتُقدِّم منصَّات ومواقع وتطبيقات مبالغ لهؤلاء مقابل ممارسة غشٍّ ممنهج، الَّذي غالبًا ما يكُونُ ضحيَّته آلاف النَّاس من الَّذين وضعوا كُلَّ ثِقتهم بمواقع الشَّبكة العنكبوتيَّة، لدرجة أنَّهم يصدِّقون كُلَّ ما يقرؤون من تقييمات، سواء كانتْ بعددِ النُّجوم أو حسب الجداول المئويَّة وغيرها، إضافةً إلى التَّعليقات الَّتي يعدُّونها دليلهم لاقتناء تلك المنتَجات أو لزيارة الفنادق والمطاعم والمنتجعات السِّياحيَّة، ولم يتوقفِ الأمْرُ عِندَ التَّقييم وقراءة التَّعليقات فحسب، بل يتجاوزه إلى إرشاد الآخرين والمعارف لاقتناء المنتَج أو زيارة المنتجع.
أصحاب صفحات «السوشيال ميديا» الَّتي تروِّج لمنتَج ما على نطاق محدود وضِمْن رقعة جغرافيَّة معيَّنة، يشبهون إلى حدٍّ ما تلك الشَّركات الكبيرة الَّتي نتحدَّث عَنْها، فعِندَما يروِّج أحَدهم إعلانًا مُعيَّنًا يُسارع لمشاركته مع الأصدقاء والمعارف، وفي درجة أوسع يتَّفق مع بعض الشَّابَّات والشَّباب لكتابة تعليقات ووضع إعجابات على الإعلان، هذا الحيِّز المحدود تطبِّقه شركات كُبرى وبطُرقٍ بَشِعَة، هذه الشَّركات توظِّف أعدادًا كبيرة من العناصر وتجري لَهُم اختبارات تتعلَّق بسرعة البديهة في الكِتابة، ثم تبدأ مرحلة الصَّقل والتَّدريب، ويوجد مُدرِّبون مُتخصِّصون في الإعلام، لكنَّ معاهد التَّدريب الإعلامي في كُلِّ مكان تحرص على أن يتخرجَ طلابها وهُمْ على دراية كبيرة بالمهنة حرصًا على أداء أفضل ومنافسة علميَّة في المادَّة المُقدَّمة من قِبلهم، أمَّا المفارقة في «مُعلِّمي ومُدرِّسي» هذه الشَّركات فتنصبُّ على ما يُحقِّق هدفهم الاحتيالي، إذ ليس المطلوب كِتابة احترافيَّة في التَّعليقات، يَجِبُ أن تكُونَ بسيطة وهادفة لجوهر المنتَج أيًّا كان، ويصلُ الأمْرُ إلى ارتكاب أخطاءٍ لُغويَّة محسوبة (يحصل هذا في جميع اللُّغات والمُجتمعات) لدرجةٍ أنَّ المُتلقِّي يلتهمُ تلك التَّقييمات والتَّعليقات دُونَ توقُّف، فهو يجدُ أمامه أُناسًا بسطاء لا يُمكِن الشَّكُّ ولو بنسبة بسيطة بأنَّهم يعملون ضِمْن فريق مدرَّب ومنظَّم لتحسينِ صورة المنتَج ومنحِه أعلى درجات التَّألُّق والجَمال، يتلقَّى العاملون في هذه الأسواق مبالغ قد تكُونُ طائلةً وهُمْ يجلسون في أماكنهم، وفي الوقت نَفْسه يشتركون في حمَلات تضليل وغشٍّ وخداع هائلة.
أكثر قصص الغشِّ تلك الَّتي لا تبالغ في الوصفِ وتكُونُ مقنِعةً للغالبيَّة من مشاهدي التَّقييمات قراءة تلك التَّعليقات.
سوف يمرُّ وقتٌ قَبل أن يكتشفَ الكثيرون هذا النَّوع الخطير من الخداع، بالمقابل لا بُدَّ من إدراك أنَّ هذا السّوق، الَّذي يدرُّ أرباحًا طائلة لن يتوقفَ القائمون عَلَيْه عن تطويره وتجاوز العقبات الَّتي تظهر أمامهم بسببِ اكتشاف الجمهور لها. قد تكُونُ هذه «الأسواق» بالقُرب مِنْك ولم تكتشفْ حقيقتها.
وليد الزبيدي
كاتب عراقي