عند التأمل في أعمال الفنان سعيد العلوي، يبرز التنوع كعلامة فارقة في تجربته الفنية ، تتجلى هذه السمة في تعدد الخامات والاتجاهات والمواضيع التي تناولها، سواء في بداياته الأولى أو في معرضه الثاني والوحيد حتى الآن حيث يتنقل بين الخامات بسلاسة وجرأة، مستفيدًا من الزيت، الماء، الأكريليك، الغراء، العجائن، وأي مادة يمكن أن تتحول إلى وسيلة لونية أو سطح تصويري.
يتنقل بحرية بين الأساليب الفنية، مدمجًا التعبيرية، السريالية، والتجريبية، مع التركيز على مواضيع اجتماعية وتراثية وحداثية. هذا التنوع يعكس بحثًا عميقًا عن حقيقة الشكل المتخفي، ما يبرز طابعه كمجرب فني. يمتاز شغفه بالاكتشاف ورفضه للركون إلى الإنجازات السابقة، مما يعكس هوسًا بالإبداع وتحديًا للذات لكسر حدود المألوف. منذ بداياته، تميزت أعمال العلوي ببساطة آسرة وتلقائية تُعبّر بوضوح عن (السهل الممتنع)، دون تعقيد أو تصنع.
في بداية عام 2016، ركّز العلوي على رسم القلاع والحصون، مستلهماً التراث العماني بأسلوب انطباعي ، ورغم تأثير الانطباعية، فإن أعماله لم تخضع للنموذج الغربي التقليدي في استخدام الألوان والظلال ، بدلاً من ذلك، استوحى ألوانه من البيئة العمانية، حيث هيمنت الأصفرات، الألوان الترابية، والظلال الصحراوية، مع إشارات بصرية إلى السراب وأضواء الصحراء.
تميزت لوحات هذه المرحلة برؤية مبتكرة للعمق، معتمدًا على الملمس وتلاعب الضوء بدلاً من البعد التقليدي، لتبدو مغلفة بغلالة نور تتباين بين القرب والبعد. انتقل العلوي لاحقًا إلى الحروفية، حيث أصبحت الحروف عنصرًا متجددًا في أعماله، خاصة في أوقات الأزمات. وفي مرحلته الثالثة، تطورت أشكاله مستلهما بيوت مدينة صور والمنطقة الشرقية. اعتمد العلوي في هذه المرحلة أسلوبًا يعتمد على كثافة اللون والمسح والقشط، مما أضفى طابعًا فنيًا مميزًا على السطح ،مع الوقت، بدأت الألوان تأخذ تدرجات بنفسجية وزرقاء وأخرى دافئة، للتعبير عن روحانية عوالمه، مع الحفاظ على ملمس اللوحة الخشن. تميزت هذه المرحلة بتطور أسلوبي عميق، حيث تعامل العلوي مع الحرف كعنصر جمالي مستقل، مستلهمًا آيات قرآنية وموضوعات عن الحياة والحب والمواعظ. رغم تأثره بالحروفيين المعاصرين، حافظ على خصوصية أسلوبه، مستخدمًا الحرف كأداة تعبيرية تعكس رؤية روحانية وجمالية جديدة. شخوصه بدت كقصاصات مدمجة بانسجام مع التكوين الكلي، مما أضفى عمقًا وتفاعلًا حسيًا على أعماله. يُعد الفنان سعيد العلوي نموذجًا رائعا لفنان استطاع بناء نفسه بجهود ذاتية، بعيدًا عن الأطر الأكاديمية التقليدية التي تُدرس في كليات الفنون واعتمد على التفاعل المباشر مع الحلقات الفنية الطارئة والمؤقتة، مما منحه أسبقية فنية لا تقتصر على البعد الزمني، بل تعكس أصالة وعمقًا في العطاء الفني. وعلى الرغم من تأثره بتجارب من سبقوه من رواد الفن العماني ، فإن العلوي استطاع أن يبتعد عن تقليدهم، مقدّمًا تجربة متفردة تحمل سمات محلية واضحة ترتبط بالبيئة والمحيط، مما يجعلها تجربة متصلة الحلقات ومستقلة بكيانها وحدودها ورؤيتها المتميزة. تُظهر أعمال العلوي تطورًا ملحوظًا في التقنية، اللون، والتكوين، فمن السكون إلى الحركة، ومن الشكل التشخيصي إلى التجريدي، اتسم فضاء لوحاته بالديناميكية والبساطة العميقة ، باتت السطوح أكثر شفافية، والخطوط أكثر ليونة، والألوان أكثر إشراقًا، مستعيرًا من الفولكلور العماني روحًا تحتفي بالفرح النابع من الأعماق دون أن تغرق في البهرجة، لقد استطاع أن يخلق بصمة مميزة تعبر عن هويته الفنية من خلال تجربته التي تجمع بين القيم الاجتماعية وروح التجريب ، يمكن التعرف على أعماله من الوهلة الأولى . كما أتسمت أعماله الأخيرة بقدرتها على استكشاف مكامن الجمال المستتر في البيئة العمانية، حيث يخلق الفنان من عناصرها حوارًا بصريًا يربط بين البيئة المحلية والنهج التجريدي ، تبرز أعماله رؤية فلسفية حضارية، تتجاوز البعد الجمالي إلى التأمل في القيم الثقافية وإعادة صياغتها ضمن إطار حداثي، دون أن تفقد ارتباطها العميق بالجذور.
قراءة ـ د. صبيح كلش
فنان عراقي