الأحد 26 يناير 2025 م - 26 رجب 1446 هـ
أخبار عاجلة

الإعجاز الصوتي فـي القرآن الكريم «نماذج لأحرف الهمزة والقاف والصاد» «2»

الأربعاء - 25 ديسمبر 2024 05:05 م
20

.. ونبدأ في الوقوف عند الآيات التي بها الهمزة، والقاف، والصاد، ونرى كيف كشفتْ تلك الأحرف بأصواتها، وطريقة نطقها عن جمال وجلال وكمال وإعجاز الكتاب العزيز، قال الله تعالى:(وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ، اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ، وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ، أَأَتَّخِذُ مِـنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ، إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ، إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ، قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ، بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) (يس 20 ـ 27)، وقال تعالى:(وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ) (القصص ـ 20).

ورد الحديث عن هذا الرجل، وهذا الرجل في سورتين مختلفتين، هما: سورة يس(وفيها مؤمن آل ياسين)، وسورة القصص(وفيها مؤمن آل فرعون).

أما مؤمن آل يس فقصَّته ـ بإيجاز ـ أن الله تعالى قد أخبر في آيات سورة (يس) أنه أرسل إلى أهل قرية من القرى اثنين من الرسل، يَدْعُوَانِهِمْ إلى عبادة الله تعالى وحده، وتَرْكِ عبادة الأصنام التي لا تضرهم، ولا تنفعهم، فبادروهما أهلُ القرية بالتكذيب الشديد، فعزَّزهما اللهُ تعالى برسولٍ ثالث، وعندما قال المكذِّبون من أهل القرية ما قالوه من التكذيب، قالت لهم رسلهم:(إنا رسل الله إليكم، ولو كنا كذبة على الله لَانْتَقَمَ اللهُ منا أشدَّ الانتقام، ولكنه سيعززنا، وينصرنا عليكم، وستعلمون لمن تكون عاقبة الدار)، ولكنَّ أهل القرية تَمَادَوْا في طغيانهم، وراحوا يتطيَّرون بهؤلاء المرسلين، ويقولون ـ كما قال قتادة (رضي الله عنه):(إنْ أصابنا شرٌّ فإنما هو من أجلكم، وإنكم إذا لم تنتهوا فسوف نرجمُكم بالحجارة، وسيصيبكم منا عقوبةٌ شديدةٌ)، فقالت لهم رسلهم:(إن طائركم معكم، ومردود عليكم، وأنتم ما قابلتمونا بهذا الكلام وتوعدتمونا، وتهددتمونا كل ذلك التوعد والتهديد إلا من أجل أَنَّا ذكَّرناكم بالله، وأمرناكم بتوحيده، وإخلاص العبادة له سبحانه، بل أنتم قومٌ مسرفون؛ لتطيركم، وكفركم، وفسادكم، وقد قيض الله عزَّ وجل لهؤلاء الرسل مَنْ يدافع عنهم فجاءهم رجلٌ من أقصى المدينة يسعى؛ لينصرهم من قومه، قيل:(إن اسمه حبيب النجار) (وترك القرآن الكريم اسمه؛ لأنه الاسم لا تأثير له بقدر الموقف نفسه، والعمل المجيد الذي قام به، ودائمًا القرآن يركز على المبادئ والأخلاق والمواقف لا على الأشخاص؛ لأنها مبادئ قد تتكرر، وهي بمثابة النور، والهداية لكل من يقرأ القرآن الكريم)، وكان هذا رجلًا سقيمًا، مريضًا، قد أسرع فيه الجذامُ، وكان كثيرَ الصدقة، يتصدق بنصف كسبه على الفقراء، وهو رجل مستقيم الفطرة، وقيل: كان منزله عند أقصى باب من أبواب المدينة، وكان يعكف على عبادة الأصنام سبعين سنة يدعوهم؛ لعلهم يرحمونه، ويكشفون ضره، فلما أبصر الرسلَ قد دَعَوْهُ إلى عبادة الله، فقال لهم: هل من آية؟، أي: تدل على صدقهم؛ ليؤمن بهم. قالوا: نعم، ربنا على ما يشاء قدير، وهذه الأصنام التي تعكف على الدعاء لها، وانتظار خيرها لا تنفع شيئًا، ولا تضر، فآمِنْ، ودعوا له ربَّهم، فكشف الله ما به من المرض، كأن لم يكن به بأسٌ من قبلُ، فحينئذ أقبل على التكسب، فإذا أمسى تصدق بكسبه، فأطعم عيالَهُ نصفًا، وتصدق بنصف كامل مما كسبه في يومه، لمَّا همّ قومُه بقتل الرسل، جاءهم على عجل من أقصى المدينة، فوعظهم أحسنَ ما تكون الموعظة، وخاطبهم بأفصح الأسنة، وناقشهم بكل ألوان النقاش والجدال الحسن، وذكَّرهم بحقِّ الله من العبادة، والتعظيم، فقتلوه، فما خرجت روحُه إلا إلى الجنة، فدخلها: وفيه قول الله له:(قِيلَ ادْخُلِ الجَنَّةَ)، فلما شاهدها قال بكل براءة وفطرة نقية، وطيبة متناهية ـ رغم قتلهم إياه، وإزهاق روحه:(يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ المُكْرَمِينَ)، قال الإمام القرطبي في جامعه:والظاهر من الآية أنه لما قُتِلَ قيل له: ادخل الجنة”، وقال قتادة بن دعامة: أدخله الله الجنة، وهو فيها حيٌّ يرزق، أراد قوله تعالى(وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ).

د.جمال عبدالعزيز أحمد

 كلية دار العلوم ـ جامعة القاهرة - جمهورية مصر العربية

[email protected]