منذُ اندلاع العدوان الصهيوني الأخير على قِطاع غزَّة، تتوالى الأخبار المُروِّعة الَّتي تعكسُ حجمَ الجرائم الممنهجة الَّتي يرتكبها الاحتلال بحقِّ الشَّعب الفلسطيني الأعزل، خصوصًا هذه الجرائم، الَّتي تتضمَّن استهداف الأطفال، قصف المستشفيات، ومنع المساعدات الإنسانيَّة، والَّتي تكشفُ عن سياسة إبادة جماعيَّة وانتهاكات صارخة للقانون الدّولي الإنساني، وتدمير مُقوِّمات الحياة في القِطاع المُحاصَر، ولا تتوقف جرائم الاحتلال عِندَ قصفِ المنازل والمدارس، بل تمتدُّ إلى المستشفيات الَّتي تُعدُّ الملاذَ الأخير للمَدَنيِّين، فقدِ اقتحَمتْ قوَّات الاحتلال المستشفى الإندونيسي شمال غزَّة وأجبرتِ المَرْضَى والطَّواقم الطبيَّة على الإخلاء، بَيْنَما تعرَّضتْ مستشفياتٌ أُخرى، مِثلُ العودة وكمال عدوان، لهجماتٍ مباشرة، وهذه الاعتداءات تُشكِّل انتهاكًا صارخًا للقانون الدّولي الَّذي يحظر استهداف المنشآت الصحيَّة تحتَ أيِّ ظرفٍ.
ولعلَّ لُغةَ الأرقام تؤكِّد هذا الإرهابَ الصهيوني، فوفقًا لتقاريرَ صادرة عن وكالة غوث وتشغيل اللَّاجئين الفلسطينيِّين (الأونروا)، يقتلُ هذا الاحتلال الإرهابي طفلًا فلسطينيًّا كُلَّ ساعة. فمنذُ بدءِ العدوان، بلغَ عددُ الأطفالِ الشُّهداء أكثر من (14,500) طفل، وهو رقمٌ يعكسُ مأساةً إنسانيَّة لا يُمكِن وصفُها بالأرقام وَحْدَها، ومَن نَجَا من هؤلاء الأطفال يُعاني من صدماتٍ نفسيَّة عميقة وندوبٍ جسديَّة دائمة، فضلًا عن حرمانه من حقِّه الأساسي في التَّعليم، إذ أصبحَ البحثُ بَيْنَ الأنقاض جزءًا يوميًّا من حياتهم بدلًا من الذَّهاب إلى المدارس، كما يفرضُ الاحتلال حصارًا خانقًا على غزَّة يمنعُ دخولَ المساعداتِ الإنسانيَّة ويعيقُ حركةَ فِرق الإغاثة.
ووفقًا للأُمم المُتَّحدة، رفضَ الاحتلال (48) من أصْلِ (52) محاولةً لِتَنسيقِ وصولِ المساعداتِ إلى المناطقِ المُحاصرة هذا الشَّهر. وفي ظلِّ هذا الحصار، يُعاني السكَّان من نقصٍ حادِّ في الغذاء والمياه، حيث تُشير التَّقارير إلى أنَّ (90%) من الأُسر تُواجِه صعوبةً في تأمينِ قُوتِها اليومي بسببِ ارتفاعِ الأسعار وانخفاض توافر السِّلع الأساسيَّة، ولم تسلَمِ البنيةُ الأساسيَّة من عدوان الاحتلال، حيث تعرَّضتِ الطُّرقُ، وشبكاتُ المياهِ، ومُخيَّماتُ اللَّاجئين لدمارٍ واسعِ النِّطاق، وفي الوقتِ ذاته، تتواصَلُ الغاراتُ على المناطقِ الَّتي طلبَ الاحتلالُ من سكَّانِها الانتقالَ إِلَيْها، ما أدَّى إلى تصاعدِ أعدادِ الشُّهداءِ والمُشرَّدِينَ في ظروفٍ معيشيَّة مأساويَّة، خصوصًا مع حلولِ فصلِ الشِّتاء.
لقدْ حوَّلتْ جرائمُ هذا الكيانِ الصهيوني الإرهابي قِطاعَ غزَّة إلى المكانِ الأخطر على وَجْهِ الأرض، حيثُ أصبحَ مِن شِبْه المستحيلِ إيصالُ المساعداتِ الإنسانيَّة إلى السكَّان الَّذين يُواجِهون كارثةً إنسانيَّة غير مسبوقة. وعلى الرَّغم من الإداناتِ الدّوليَّة، لا يزالُ الاحتلالُ مستمرًّا في انتهاكاتِه، متجاهلًا القانون الدّولي وقرارات محكمة العدْلِ الدّوليَّة الَّتي طالبتْ بوقفِ جرائمِ الإبادةِ الجماعيَّة، وأمام هذه الجرائمِ الوحشيَّة، يصبحُ الصَّمتُ الدّولي مشاركةً ضمنيَّة في معاناة الشَّعب الفلسطيني، وآن الأوانُ لِتحرُّكٍ جادٍّ يُنهي العدوانَ ويُحاسبُ مرتكبي هذه الجرائم، مع ضمانِ حماية المَدَنيِّين وتقديمِ الدَّعمِ الإنساني اللَّازم لغزَّة. فالعدوانُ «الإسرائيلي» على غزَّة ليس مجرَّدَ صراعٍ عسكري، بل هو جريمةٌ ضدَّ الإنسانيَّةِ بكُلِّ المقاييس، يَجِبُ على المُجتمع الدّولي أنْ يتحملَ مسؤوليَّتَه القانونيَّة والأخلاقيَّة لوقفِ هذه المأساة، وضمانِ حقوقِ الشَّعبِ الفلسطيني في الحياةِ والكرامة، والعملِ على إنهاءِ هذا الاحتلالِ الجائر الَّذي باتَ وصمةَ عارٍ على جبينِ الإنسانيَّة.