الثلاثاء 24 ديسمبر 2024 م - 22 جمادى الآخرة 1446 هـ
أخبار عاجلة

رحاب : التقاعد بداية لطموح جديد

رحاب : التقاعد بداية لطموح جديد
الاثنين - 23 ديسمبر 2024 03:19 م

د ـ أحمد بن علي المعشني

70

في حديثي مع مجموعة من الأقارب المتقاعدين الذين تجاوزت أعمارهم الستين عامًا، عرضت مبادرتي التي تركز على التحديات والفرص التي يمكن أن يجدها الإنسان في مرحلة التقاعد. كان رد أحدهم مفاجئًا بعض الشيء، حيث اعترض بشدة على المبادرة، مؤكدًا أن التقاعد يجب أن يكون فترة من الراحة والهدوء بعيدًا عن أي طموحات أو أحلام جديدة. وعَدَّ أن الحياة بالنسبة للمتقاعدين قد بدأت في الانحسار، وأن الشيخوخة قد أصابت كل شيء، ما جعل الحياة تبدو وكأنها تنحدر نحو الأفول. وأضاف قائلًا: «علينا أن نقضي مرحلة التقاعد بعيدًا عن أي طموح، ويكفينا أن نعيش بهدوء ونتخلى عن الطموحات والأحلام للشباب الصغار.»

رغم أن هذا النقد كان مليئًا بالكلمات التي تعكس الخوف من المستقبل، إلا أنه سلط الضوء على فكرة شائعة يتبناها البعض: أن التقاعد يعني النهاية، وأنه ليس هناك مكان للطموحات أو للأحلام في هذه المرحلة العمرية. لكنني لم أستطع إلا أن أختلف مع هذا الرأي، وأعرض له مثالًا حيًّا من الطبيعة ليدرك أن الحياة لا تتوقف في مرحلة التقاعد.

فقلت له: «دعني أضرب لك مثالًا من وادي خييش في ولاية صلالة، حيث توجد شجرتان مثمرتان تتجاوز أعمارهما الألف سنة، وفقًا لتقديرات كبار السن الذين توارثوا هذه القصص عبر الأجيال. ورغم مرور الزمن الطويل، لا تزال هاتان الشجرتان تقدِّمان الثمار بشكل مستمر. إنهما تمثِّلان درسًا عميقًا في الحياة يمكن أن نستلهم منه جميعًا.» هاتان الشجرتان تعكسان معنى العطاء المستمر، فحتى بعد مرور قرون من الزمن، تظلان قادرتين على منح الحياة للآخرين. وهما تشبهان الإنسان الذي يستطيع أن يستمر في العطاء والنمو، مهما تقدمت به السن، طالما أنه يمتلك العزيمة والإرادة.

الواقع أن التقاعد لا يعني نهاية الطموح أو الأحلام. الحياة لا تنتهي عند سن معيَّنة، والقدرة على النمو والتطور تبقى مستمرة طالما أن الإنسان يستمر في بذل الجهد ويحتفظ بالأمل. إن التقاعد يجب أن يُنظر إليه على أنه بداية لمرحلة جديدة من العطاء، تمامًا كما تظل الأشجار القديمة تثمر وتمنح الثمار حتى بعد مرور آلاف السنين. الشجرتان في وادي خييش تذكرانا أن الحياة مليئة بالفرص التي قد تكون خافية علينا في البداية، ولكنها تظهر لمن يظل مستعدًّا لتقبلها والاستفادة منها.

عليه، التقاعد ليس نهاية الطريق بل بداية لمرحلة جديدة. إننا في مرحلة التقاعد يمكننا أن نواصل العطاء، ونعيد اكتشاف الذَّات، ونسهم في المجتمع بأفكار جديدة أو من خلال الاستفادة من تجاربنا. مثل هاتين الشجرتين، نحن أيضًا يمكننا أن نكون مثمرين طالما أننا نؤمن بأن الطموح لا ينتمي فقط للشباب، بل هو حق لكل من يسعى لتحقيق شيء ذي قيمة في حياته، مهما تقدَّم به العمر.

د. أحمد بن علي المعشني

 رئيس أكاديمية النجاح للتنمية البشرية