مسقط ـ العُمانية: صدر للباحث العُماني الدكتور ناصر بن سيف السَّعدي، أستاذ التاريخ والثقافة والتراث المساعد بكرسي اليونسكو لدراسات الأفلاج بجامعة نزوى، كتاب جديد بعنوان (المدينة العُمانية في فضاءات التاريخ)، تقاطعات الجغرافيا والثقافة والسلطة عن دار الفلق للنشر، بالتعاون مع كرسي اليونسكو لدراسات الأفلاج بجامعة نزوى.
حول الكتاب يقول المؤلف (السَّعدي): الكتاب محاولة لدراسة التفاعل بين الجغرافيا، والثقافة، والسلطة في تشكل هُوِيَّة المدينة العُمانية، التي هي ليست مجرد كيان مادي بل حصيلة تفاعلات اجتماعية وثقافية وجغرافية معقدة، تتأثر بعدة عوامل، منها الهجرات، والأعراف القبلية، والصراعات السياسية، والأحداث الطبيعية، وغيرها، وحاول هذا الكتاب التركيز عليها وطرح الأسئلة بشأنها.
ويشير إلى أن هذا التفاعل تجلى في عناوين فصول الكتاب ومباحثه ومتونه، حيث احتوى على ثلاثة فصول، وجاء الفصل الأول بعنوان (الفضاء الجغرافي، الأعراف القبلية وتحديات العمران)، وتكوّن من عدة دراسات. أولها: (الإطار الجغرافي لمسمى عُمان في نصوص التراث: فلسفة الأرض والانتماء)، وحاول من خلال هذا المحور ملامسة الصورة الذهنية للإطار الجغرافي لمسمى عُمان وتطوره، والعوامل التي أثرت في تشكيله، من خلال كتب الفقه، والتاريخ، والأدب، وناقش التفاعل بين الجغرافيا والفكر في التراث العُماني، حيث لم تكن حدود سلطنة عُمان في النصوص التراثية تعبر عن الحدود الجغرافية فقط، بل حملت مفهوم الانتماء والولاء. وقد سعى الفقهاء إلى ربط الهُوية العُمانية بالفضاء الجغرافي، مما عكس تفكيرًا عميقًا لفهم كيفية تأثير المكان على الانتماء.
ويوضح أن الفصل الثاني محاولة أولية لمناقشة حركة المدينة العُمانية من حيث النشأة والتحديات الطبيعية والبشرية التي واجهتها، وتعرض هذا الفضاء الحضري في كثير من تاريخه لتحديات وتقلبات ناجمة عن الصراعات القبلية والنزاعات السياسية وسلوكيات ونزعات السلطة، فضلًا عن الكوارث الطبيعية مثل الأعاصير والسيول التي هددت باستمرار عمران المدينة العُمانية.
وفي هذا المحور، ركز على دور (الفلج) كنظام ومورد مائي أساسي، ليس فقط في بقاء المدينة، بل في تعزيز استقرارها الاجتماعي والاقتصادي. وكيف كان العمران في التاريخ العُماني عرضة أحيانًا لتأثيرات القوى الطبيعية والبشرية.
في حين تناول المحور الثالث (سنة المسحاب)، باعتبارها نموذجًا للأعراف القبلية التي نظمت الحياة الاجتماعية والسياسية في سلطنة عُمان، وإلى مدًى كان الدين والقبيلة والواقع المحاور الرئيسة للسنة، مبينًا تداخل الدين مع الأعراف القبلية في صياغة النظام الاجتماعي، هذا النظام الذي لم يكن جامدًا، بل تكيف مع الظروف السياسية والاجتماعية، و(سنة المسحاب) المقصودة هنا هي للشيخ حمد بن خميس السعدي الذي تطرق فيها إلى بعض المصطلحات القبلية مثل السنة والمسحاب. كما ناقش الأبعاد الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لهذه السنة. ويشير السّعدي في الفصل الثاني إلى فضاءات المُدن العُمانية وتداخل العمران مع الثقافة والسياسة، من خلال ثلاثة محاور. أولها: (صحار: تحولاتها التاريخية ومكانتها المتغيرة)، وناقش قضايا تتعلق بمكانة صحار وتأثرها بالتحولات السياسية والاجتماعية، وكيف أن تغيّرَ الزمن وتقلب أحواله أثّرا على مكانة المدينة في مسار التاريخ. أما المحور الثاني فتناول بلدة الحمراء ونشأتها ضمن سياق سلطة دولة اليعاربة، وتأثير الولاءات القبلية في ذلك، ويُناقش تحوّل اسم (كدم) ليصبح (الحمراء)، ويحلل كيف أن التحولات السياسية أثرت على الولاءات القبلية، كما بحث كيف أصبحت الحمراء مقرًّا لإمارة العبريين، وكيف تطور عمرانها. وفي المحور الثالث ركز السّعدي على ظفار في نصوص التراث العُماني، وتناول النصوص الشعرية، الفقهية، والوثائق السياسية، والسرد التاريخي، وتكمن أهميتها في إبراز العلاقة بين ظفار وبقية أجزاء سلطنة عُمان، لا سيما الروابط السياسية والاجتماعية والاقتصادية، بينما ألقت النصوص الفقهية الضوء على القضايا الاقتصادية والاجتماعية.