الثلاثاء 24 ديسمبر 2024 م - 22 جمادى الآخرة 1446 هـ
أخبار عاجلة

رأي الوطن : هل سيتحرك العالم قبل فوات الأوان؟

الاثنين - 23 ديسمبر 2024 06:35 م

رأي الوطن

100


لا تزال القضيَّة الفلسطينيَّة جرحًا مفتوحًا في قلبِ الإنسانيَّة، يتجدَّد نزيفه يومًا بعد يوم بفعلِ آلةِ القمعِ والإبادة الصُّهيونيَّة الَّتي تستهدفُ الشَّعبَ الفلسطيني في قِطاع غزَّة، والضفَّة الغربيَّة، وباقي الأراضي المُحتلَّة. فرغم وضوحِ الجرائم البشعة الَّتي تُرتكَبُ يوميًّا، يقفُ المُجتمع الدّولي صامتًا أو عاجزًا أمام هذا العدوان المُمنهج الَّذي لا يُفرِّقُ بَيْنَ طفلٍ أو شيخ، مريضٍ أو مَدَني أعْزَل. فعلى مدَى أكثر من (443) يومًا يستمرُّ الاحتلال الصُّهيوني في شنِّ حملةِ إبادةٍ وتهجيرٍ قَسري جماعي بحقِّ الفلسطينيِّين، مُستخِفًّا بالقانون الدّولي وقرارات الأُمم المُتَّحدة الَّتي تدعو إلى حماية المَدَنيِّين وتأمين وصول المساعدات الإنسانيَّة، لدرجة أنَّ استهدافَ المستشفياتِ، والمدارس، والملاجئ باتَ سياسةً مُمنهجةً لِتَحويلِ قِطاعِ غزَّة إلى (أرضٍ محروقة)، لا يُمكنُ العيش عَلَيْها في المستقبل.

إنَّ الهجومَ الأخيرَ على مستشفى الشَّهيد كمال عدوان في بيت لاهيا، وقصفَ مدرسةِ موسى بن نصير الَّتي كانت تأوي نازحين، جريمةٌ تفضحُ حجمَ الإصرار الصُّهيوني على ارتكابِ جرائمِ حربٍ تنتهكُ كُلَّ الأعرافِ والقوانين الدّوليَّة، فهذه الاعتداءاتُ ليسَتْ مجرَّد أفعال عشوائيَّة، بل جزءٌ من استراتيجيَّة تهدفُ إلى تدميرِ البنيةِ الأساسيَّة الفلسطينيَّة وإضعافِ صمودِ الشَّعبِ الفلسطيني، بغطاءٍ دولي مُريب. وهُنَا يَجِبُ أنْ نحمِّلَ مجلس الأمن الدّولي المسؤوليَّة الكاملة عن الفشلِ في إجبارِ الاحتلالِ على وقفِ جرائمه، فهذا الصَّمتُ الدّولي، سواء كان نتيجةَ ضعفٍ أو تواطؤ، يعكس ازدواجيَّة المعايير الَّتي باتَتْ سِمةَ النِّظام العالَمي، كيف يُمكِن لمنظومة دوليَّة تدَّعي حمايةَ حقوقِ الإنسان أنْ تقفَ عاجزةً أمام مشاهدِ القتلِ والدَّمار؟

إنَّ الوضعَ الحالي يفرضُ حشْدَ جبهةٍ دوليَّة ضاغطة لِتَنفيذِ قرارات الأُمم المُتَّحدة والمحاكم الدّوليَّة الَّتي تُطالب بوقفٍ فوري للعدوان، وضرورةِ محاسبةِ الاحتلال على جرائمه، الَّتي لم تَعُدْ خافيةً على أحَد، بل تُوثِّقها الصوَر والشَّهادات يوميًّا، فجرائم الاحتلال لم تتوقفْ عِندَ حدودِ القتلِ والتَّهجير، بل امتدَّتْ لِتشملَ تدميرَ الأرضِ الفلسطينيَّة وتهويدها في الضفَّة الغربيَّة، حيثُ صعَّدَ الاحتلال من عمليَّات الهدمِ ومنعِ البناء، كما تعمَّد عرقلةَ وصولِ الفلسطينيِّين إلى أراضيهم؛ بهدفِ اقتلاعِهم من جذورهم التَّاريخيَّة، فهذا المشهدُ يعكس هدفًا واضحًا وهو القضاءُ على أيِّ مُقوِّمات لصمودِ الفلسطينيِّين في أرضهم، وإحلال قطعان المستعمِرِين مكانَهم ضِمْن خطَّة تهويد شاملة.

أمام هذه الجرائم المتواصلة، يبقى السُّؤال: أين الضَّمير الإنساني؟ كيف يُمكِن للمُجتمع الدّولي أنْ يقفَ متفرِّجًا بَيْنَما تُرتكب الإبادة والتَّطهير العِرقي بوضَحِ النَّهار؟ فهذا الصَّمت الدّولي ليس مجرَّدَ موقفٍ سلبي، بل هو شريكٌ في الجريمة، يُعزِّز استمراريَّة الاحتلال في جرائمه، لذا يَجِبُ أنْ تتوقفَ الدوَلُ عن الاكتفاءِ بالإدانة اللفظيَّة، وأنْ تتَّخذَ خطواتٍ فعليَّة لوقفِ هذه المأساة الإنسانيَّة، فالمحاسبةُ هي المفتاحُ لوقفِ الجرائم، وعلى المحكمةِ الجنائيَّة الدّوليَّة أنْ تتحركَ بجديَّة لمقاضاةِ مرتكبي هذه الجرائم البشعة، كما يَجِبُ أنْ تضغطَ الشُّعوب الحُرَّة حَوْلَ العالَم على حكوماتها لاتِّخاذ مواقف أكثر صلابة تجاه الاحتلال الصهيوني، ودعم الحقِّ الفلسطيني في العيش بكرامةٍ على أرضِه. فالقضيَّة الفلسطينيَّة ليسَتْ مجرَّد صراع على الأرض، بل هي معركة من أجْلِ الحُريَّة والعدالة وحقوق الإنسان، وعلى العالَم أنْ يُدركَ أنَّ التَّخاذلَ اليوم سيُشعل مزيدًا من الأزمات غدًا؛ لأنَّ الظلمَ لا يُمكِن أنْ يُولِّدَ سوى مزيدٍ من العُنف والدَّمار، فالإنسانيَّة اليوم على المحكِّ، فهل سيتحرَّك الضَّمير العالَمي قَبْلَ فوات الأوان؟