الثلاثاء 24 ديسمبر 2024 م - 22 جمادى الآخرة 1446 هـ
أخبار عاجلة

تاريخ الانقلابات فـي العراق

تاريخ الانقلابات فـي العراق
الاثنين - 23 ديسمبر 2024 03:14 م

د. مبارك الجابري

10


يكادُ يكُونُ الدكتور محمد مظفر الأدهمي واحدًا من بَيْنَ قلائل في العراق يسلِّط الضَّوء على تاريخ العراق وما شهده من متغيِّرات وأحداث، لا سِيَّما محاولات الانقلاب على النِّظامَيْنِ الملكي والجمهوري الَّتي تجاوزت الثَّلاثين محاولةً.

ويستهلُّ أستاذ التَّاريخ السِّياسي الحديث الأدهمي كِتابَه الموسوم (انقلابات العراق في العهدَيْنِ الملكي والجمهوري) (1935ـ 1968) بالتَّأكيد على أنَّ كِتابَه هو نتيجة جهدٍ أكاديمي اعتمد على مصادر ومراجع بمختلف اتِّجاهاتها، لِيغطيَ بشكلٍ موضوعي وعلمي أحدَث انقلابات العراق وارتداداتها محليًّا وعربيًّا ودوليًّا.

والمؤلِّف هو من المُؤرِّخِين الَّذين تناولوا وقائع التَّاريخ وتحليله برؤيةٍ جديدة وضعتْ جهده في صدارة الباحثين عن الحقيقة وسَبر أغوار تلك الأحداث ما بَيْنَ الحقبتَيْنِ إلى حدِّ وصفِ الكِتاب بأنَّه تحوَّل إلى مرجع علمي مهمٍّ في تاريخ العراق السِّياسي الحديث والمعاصر.

وما بَيْنَ أوَّل محاولة مدنيَّة سلميَّة في العهد الملكي عام 1935 كانت انتفاضة الرّميثة وسُوق الشُّيوخ عام 1936 لإسقاطِ حكومة الهاشمي وثورة الـ(17) من تموز 1968 الَّتي أطاحت بحكومة عبد الرحمن عارف، شهدَ العراق تحوُّلاتٍ وأحداثًا كبيرة وضعتْه في صدارة المشهد العربي والدّولي على مدَى الحِقب كلاعبٍ ومؤثِّر في أحداثها.

وتاريخ الانقلابات في العراق الَّتي اتَّخذت طابعًا سلميًّا أو عسكريًّا كانت إيذانًا بتحوُّلها إلى مظهر سياسي نقلَ العراق إلى حالِ البحث عن التَّغيير الشَّامل أو المطالبة بالإصلاح السِّياسي مبكرًا من أوَّل انتفاضة سلميَّة في العام 1936.

ويتوقف المؤلِّف عِندَ أبرز مثابات التَّغيير في العهدَيْنِ الملكي والجمهوري الَّتي شهدها العراق، خصوصًا ثورة الـ(14) من تموز 1958 الَّتي أطاحتْ بالملكيَّة، وأقامتِ النِّظام الجمهوري مقارنةً بالمحاولات السلميَّة الَّتي لم تكُنْ تهدف إلى الانقلاب على النِّظام السِّياسي في حين كان العسكريون يسعَونَ لقلبِ نظام الحُكم باستخدام الجيش مدعومِينَ من الأحزاب المرتبطة برموزِ المُعارضة السِّياسيَّة الَّتي أدَّتْ إلى قلبِ الوزارة وإسقاطها سياسيًّا بدعمٍ من الأحزاب الشُّيوعيَّة والقوميَّة.

ويَعُودُ المؤلِّف إلى أسباب تأليفه للكِتاب بالقول: كانتِ البداية في العام 1935؛ لأنَّ هذه السَّنة قد شهدتْ انتفاضات عشائريَّة استمرَّتْ لسنتَيْنِ استخدمتِ القُوَّة العسكريَّة لقمعِها الَّذي انقلبَ على الحكومة بانقلابِ بكر صدقي كأوَّل تدخُّل عسكري استخدمته الحكومة لقمعِ معارضيها، الَّذي أصبح فيما بعد ظاهرة في مَسيرة ودَوْر الجيش في الحياة السِّياسيَّة بانقلاباتٍ على مدَى العُقود الماضية.

من النَّاحية العقائديَّة فإنَّ الانقلابات في العهد الملكي لم تكُنْ تمتلك صفةً عقائديَّة بقدر ما كانتْ هي عشائريَّة لا ترقى إلى تغيير النِّظام باستثناء انقلاب العقداء الأربعة الَّتي كانتْ هُوِيَّتها قوميَّة عربيَّة، كما يوصف في حينها.

في مقدِّمة كِتابه يوضِّح المؤلِّف أنَّ المرحلة الأُولى للحُكم الملكي 1921 – 1933 لم تشهدْ أيَّ محاولات انقلابيَّة داخل السُّلطة أو خارجها؛ لأنَّ الاتِّجاهَ كان العمل لإنهاءِ الانتدابِ البريطاني ودخول العراق عصبة الأُمم المُتَّحدة.

ويُبرز المؤلِّف أهمَّ الانقلابات الَّتي شهدها العراق في العهدَيْنِ الملكي والجمهوري خصوصًا مصرع الملك غزي انتفاضة 1956 وسقوط نوري سعيد بثورة الـ(14) من تموز 1958 وانقلاب الشواف 1959 وانقلاب الشيوعيِّين 1959 واغتيال عبد الكريم قاسم 1959 وثورة 8 شباط 1963 وثورة الـ(17) من تموز 1968.

وكُلُّ محاولةٍ للتَّغيير كانتْ وليدة ظرفها وأسبابها، وما أحدثَتْه في بنية المُجتمع العراقي من تطوُّرات سلبيَّة كانت أم إيجابيَّة هي في ذمَّة التَّاريخ ومَن عاصرَ وقوعها، غير أنَّ مسار الأحداث في العهدَيْنِ وخواتيمها كانتْ مفجعةً للعراقيِّين، لا سِيَّما غزو العراق واحتلاله من قوَّة غاشمة ما زِلْنَا نُعاني من ارتداداته حتَّى الآن.

د. مبارك الجابري

كاتب عماني