السبت 27 يوليو 2024 م - 21 محرم 1446 هـ

رجب الأصم فـي حياة النبي الأعظم «3»

الأربعاء - 31 يناير 2024 05:34 م
20

أيها الأحبة: ولا يزال يستطرد بنا الحديث حول أشهر المواقف والأحداث في شهر رجب كانت لرسولنا العظيم (صلى الله عليه وسلم)، وقد توقفنا عند أشهر حادثة في حياته (صلوات الله عليه وسلامه) ـ بعد نزول القرآن عليه طبعا ـ ألا وهي حادثة الإسراء والمعراج.

وتتوالى الأحداث العظيمة لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) في رجب، مما يؤكد سماحته (صلى الله عليه وسلم) وسماحة دين الإسلام الذي جاء به، فقد كان (عليه الصلاة والسلام) يوصيهم بتعاليم الإسلام في الحروب، وكان إذا رأى أي مخالفات لما أوصى به كان (عليه الصلاة والسلام) يرد الحق لأصحابه ولو كانوا كفّارًا ويرفع الظلم عمّن وقع عليه، ومنها (ما حدث في رجب سنة 2هـ، في سرية نخلة التي في رجب سنة 2 هـ والتي أمر عليها رسول الله عبد الله بن جحش الأسدي، ومن غير قصد وقعت منه تصرفات لم يأذن بها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ نظرًا لأنه (صلى الله عليه وسلم) كلّف هذه السرية بأمور محددة، فقد كانت مهمتها مقصورة على تقصّي أخبار قريش ولم يأمرهم الرسول بقتال، نظرًا لأن هذه السرية كانت في شهر رجب، والكل يعلم أنه من الأشهر الحرم التي حرَّم الله فيها القتال إلا إذا قاتل الكفار المسلمين، وبينما السرية كانت في طريقها إذ رأت عيرًا لقريش تحمل مؤنًا من الطعام، ولم يكن أحد من السرية قد نسي ما فعلته قريش بأموالهم وبيوتهم في مكة، فهجموا على القافلة وقتلوا منهم واحدًا وأسروا

اثنين وفرَّ الرابع هاربًا، فلما رجعوا المدينة بالغنائم، أنكر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عليهم ما فعلوا، وقال: ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام، وأوقف التصرف في أموال الغنائم، وأطلق ـ عليه الصلاة والسلام ـ الأسيرين إلى مكة فورًا، ثم دفع دية المقتول إلى أوليائه) (سيرة ابن هشام، ت: السقا، بتصرف واختصار (جـ1، صـ604).

وهكذا ـ أيها الأحبة ـ تجلت لنا سماحة رسول الإسلام العظيم في أعلى صورة من صورها النبيلة، ـ ولا عجب ـ فإن هذا الخلق النبيل الذي صدر عن صاحب الرسالة العصماء النبي المعصوم (صلى الله عليه وسلم) من إنصاف للمظلوم ولو كان كافرًا، فأيُّ خلق هذا وأي سماحة هذه؟! وليس هذا بغريب على من أرسله الله للعالمين نعمة ورحمة.

كما يتجلى لنا موقف آخر في هذا الشهر المبارك، ففي رجب من عام تسع للهجرة كما جاء في (سيرة ابن هشام، ت: السقا (جـ1 صـ 340) مرجع سابق): (اجتمعت الحبشة فقالوا للنجاشي: إنك قد فارقت ديننا، وخرجوا عليه، فأرسل إلى جعفر وأصحابه، فهيأ لهم سفنًا، وقال: اركبوا فيها وكونوا كما أنتم، فإن هزمت فامضوا حتى تلحقوا بحيث شئتم، وإن ظفرت فاثبتوا، ثم عمد إلى كتاب فكتب فيه: هو يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، ويشهد أن عيسى بن مريم عبده ورسوله وروحه، وكلمته ألقاها إلى مريم، ثم جعله في قبائه عند المنكب الأيمن، وخرج إلى الحبشة، وصفوا له، فقال: يا معشر الحبشة، ألست أحق الناس بكم؟ قالوا: بلى، قال: فكيف رأيتم سيرتي فيكم؟ قالوا: خير سيرة، قال فما بالكم؟

قالوا: فارقت ديننا، وزعمت أن عيسى عبد، قال: فما تقولون أنتم في عيسى؟

قالوا: نقول هو ابن الله، فقال النجاشي: ـ ووضع يده على صدره على قبائه ـ ويشهد أن عيسى بن مريم، لم يزد على هذا شيئًا، وإنما يعني ما كتب، فرضوا وانصرفوا عنه. فبلغ ذلك النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلما مات النجاشي صلّى عليه، واستغفر له، وكان موت النجاشي في رجب من سنة تسع، ونعاه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى الناس في اليوم الذي مات فيه، وصلى عليه بالبقيع، رفع إليه سريره بأرض الحبشة حتى رآه وهو بالمدينة، فصلى عليه، وتكلم المنافقون، فقالوا: أيصلى على هذا العلج؟ فأنزل الله تعالى:(وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) (آل عمران ـ ١٩٩)، ويقال: إن أبا نيزر، مولى على بن أبى طالب، كان ابنا للنجاشي نفسه، وإن عليا وجده عند تاجر بمكة، فاشتراه منه وأعتقه، مكافأة لما صنع أبوه مع المسلمين.

ويقال: إن الحبشة مرج عليها أمرها بعد النجاشي، وإنهم أرسلوا وفدا منهم إلى أبى نيزر وهو مع على ليملكوه ويتوجوه، ولم يختلفوا عليه، فأبى وقال: ما كنت لأطلب الملك بعد أن من الله على بالإسلام، وكان أبو نيزر من أطول الناس قامة وأحسنهم).. فما أعظم الإسلام!!.. وللحديث بقية.

محمود عدلي الشريف

 [email protected]