تُشكِّل المعايير والأُسُس في كُلِّ مجالٍ من مجالات الحياة ما يُسمَّى القواعد المُحدَّدة للعمل، وهي الَّتي تحكم مساراته وتتحكم في إجراءاته بصورةٍ خاصَّة، وتُعرف في العادة باِسْمِ (البروتوكول) وفي العُرف التَّقليدي العُماني تُعرف بالتَّقاليد أو ما يُسمَّى بالسَّمت العُماني، وهو عبارة عن دستور غير مكتوب يتمُّ من خلاله ممارسة مختلف الجوانب الحياتيَّة في المُجتمع العُماني. وهنالك سِمات مشتركة لكُلِّ المناسبات والفعاليَّات، وأحيانًا توجد سِمات خاصَّة لكُلِّ مناسبةٍ، سواء تعلَّق الأمْرُ باللّباس أو بالممارسات المرتبطة بتلك المناسبة. كما يظهر البروتوكول واضحًا في المناسبات الرَّسميَّة وكيفيَّة جلوس المدعوِّين وفقَ مُحدِّدات مبرمجة مسبقًا ومتَّفق عَلَيْها، وتتعمق أكثر في المناسبات العسكريَّة بصورةٍ خاصَّة. ولسْتُ هنا في حديثٍ مسهب عن تفاصيل هذه البروتوكولات، بل لتوضيح الفكرة العامَّة فقط.
لكنَّ تطوُّرات الحياة لم تتوقفْ عِندَ حدٍّ مُعيَّن، بل يشهد العالَم سباقًا تقنيًّا محمومًا لا يضعُ للزَّمن أيَّ اعتبار. فإذا كانتِ القواعد البروتوكوليَّة هي في أغْلَبِها تمَّ وضعُها منذُ أمَدٍ ليس بالقصير، بل تَعُودُ أغْلَبُها لقرونٍ مضَتْ، وما زال العمل ساريًا بها إلى الآن، وخصوصًا كما أشرتُ في المجال العسكري. لكنَّ السُّؤالَ المطروحَ حاليًّا يتمحور حَوْلَ: هل يوجد بروتوكول لكيفيَّة التَّواصُل في ظلِّ ثَورة الذَّكاء الاصطناعي، وقَبل ذلك لثَورةِ التكنولوجيا الَّتي أتَتْ مع تطوُّر نظامَي أندرويد وآبل؟ والمعتمد على البرمجيَّات والَّتي أفرزتْ برامج تواصُل اجتماعي متعدِّدة كتلك الَّتي نستعملها حاليًّا مِثل «واتساب» و»فيس بوك» و»إنستجرام» والقائمة الطَّويلة الَّتي تنتهي؟ الواقع أنَّ هذه البرمجيَّات أفرزتْ أساليب تواصُل تعتمد على الأساس الَّذي قامتْ عَلَيْه وهو السُّرعة واختزال الزَّمان والمكان، ففي السَّابق كانتْ عمليَّة التَّواصُل تتمُّ بصورةٍ مباشرة وإن تجاوزتِ الأمْر فهي بالاتِّصال العادي وهنا يستطيع الشَّخص أن يتحكمَ فيها على الأقلِّ من ناحية افتراضيَّة، أمَّا الآن وفي ظلِّ الثَّورة الرَّقميَّة يتمُّ اقتحامك بصورةٍ لا يُمكِن تخيّلها، فإذا لم يجدْك الشَّخص الَّذي يبحثُ عَنْك على الواتساب سيذهب لك عَبْرَ برنامج آخر، وإذا لم تستجبْ له سيعمل لك اتِّصالًا أو رسالةً عَبْرَ برنامج ثالث، في تحدٍّ صارخ لكُلِّ بروتوكولات التَّواصُل المعروفة، كما أنَّ البعض يمطرك يوميًّا وأسبوعيًّا برسائلَ صباحيَّة ومسائيَّة ويوم الجمعة، لدرجة أنَّه لا يعرف لِمَن أرسل، والدَّليل أنَّه لم يكلِّفْ نَفْسَه بالرُّجوع إلى هذه المحادثات ومعرفة مَن يبادله الردُّ ومَن لا يبادله، فعلى الأقلِّ يمتنعُ عن إرسال هذه الرَّسائل لِمَن لا يردُّ عَلَيْه بالمِثل، في خطوةٍ تُحسب في اعتقادي الشَّخصي وتصبُّ في خانة القواعد الَّتي يَجِبُ أن نتقيدَ بها في عمليَّة التَّواصُل، ولا أعتقدُ أنَّ أغْلَبَنا إذا لم يكُنْ جميعنا يكره الحركة الَّتي يَقُومُ صاحبها بإمطارك بالاتِّصال عَبْرَ الواتساب لِيتأكَّدَ أو يؤكِّدَ عَلَيْك لفتحِ رسالته. وأعذرُ حقيقةً مَن يَقُومُ بهذا الفعل إذا كان الأمْرُ طارئًا ويحتاج لردٍّ مستعجل، وأضعُ تحت كلمة مستعجل ألْفَ خطٍّ، أمَّا لمجرَّدِ التَّأكيد فقط فالأمْرُ يحتاج لبروتوكول خاصٍّ بالفعل في كيفيَّة التَّعامل مع مِثل هذه الحالات. أمَّا ما يتعلَّق بالمجموعات فحدِّث ولا حرَج، أتذكَّرُ أنَّني لم أفتحْ بعض المجموعات منذُ أكثر من سنَة والسَّبب أنَّ نَفْسَ الأسئلة تتكرَّر يوميًّا، فهنالك مجموعة مهتمَّة بالسِّياحة يطلب أعضاؤها يوميًّا معلومات عن دَولة معيَّنة بصورةٍ متكررة، ويطرحون أسئلة مثلًا عن فيزا دَولة معيَّنة بنَفْسِ الصِّيغة شِبه يوميًّا، والأمْرُ لا يحتاجُ أكثر من مجرَّد عمل تمييز بنجمة للمواضيع المهمَّة، في تحدٍّ صارخ للقواعد الَّتي يَجِبُ أن تحكمَ هذه البرامج، والأمْرُ لا يتوقف عِندَ أعضاء المجموعة، فقدِ اقترحتُ على مُشرِفيها أن يقوموا بعمل مكتبة إلكترونيَّة، وترفع في إحدى السُّحب الإلكترونيَّة فيها حلول لجميع استفسارات الأعضاء، ومَن يُرِدِ الاستفسار عَلَيْه أن يتأكَّدَ مسبقًا من سؤاله من خلال هذه المكتبة ثمَّ يطرحه في المجموعة إذا لم يجدْ له جوابًا، في قاعدة مهمَّة أيضًا ضِمن بروتوكول التَّواصُل الاجتماعي.
إنَّ وجودَ قائمة بالسُّلوكيَّات الَّتي يَجِبُ التقيُّد بها ـ كما أوضحتُ في الأمثلة السَّابقة ـ هي ضرورة حتميَّة يَجِبُ أن يعرفَها الجميع، ثمَّ يتقيَّد بها لأنَّنا أمام مرحلة مهمَّة تختلف عمَّا سبَق، بحيث لا تضطر مثلًا إلى إغلاق هاتفك وعدم التَّواصُل مع الآخرين لمجرَّد أنَّ هنالك أشخاصًا لا يأبهون بكُلِّ هذه القواعد ولا يحترمونها ولا يعرفون أصلًا أنَّها مهمَّة وضروريَّة للتَّواصُل.
د. خصيب بن عبدالله القريني