في الوقتِ الَّذي نخطو فيه الخطوات الأخيرة على طريق طيِّ صفحة عام 2024 يُمكِن إلقاءُ نظرةٍ عامَّة شاملة على عالَم مضطرب تعصف به العواصف الهوجاء المحمَّلة بالنُّذر المُخيفة، ابتداءً من مشرِق الأرض حتَّى مغربها :
كوريا الجنوبيَّة تُعاني من اضطرابات شَعبيَّة يُمكِن تتبُّع جذورها إلى اختلاف الآراء والإرادات في مؤسَّسة الرِّئاسة غير المستقرَّة، في حين تبقى كوريا الشَّماليَّة تستمتع (على نَحْوٍ ساديٍّ) بآلام عالَمٍ خائف (حدَّ الارتجاف) من تطوير أسلحتِها النَّوويَّة. وإذا كانتِ اليابان لم تزَلْ تحيَا بحبوحة تطوُّرها الصِّناعي والعلمي شِبه الإعجازي تُواصلُ جارتها العملاقة «الصين الشَّعبيَّة»، تراقبها بحذرٍ يشوبُه العجز عن مُواكبة تجارتها وبزِّ صناعاتها الدَّقيقة فائقة التَّعقيد، وفي ذات الوقت تشعُر «جمهوريَّة الصين الوطنيَّة» بالحذر المشوبِ بالرُّعب من أُمِّها وجارتها الشَّماليَّة الأكبر حجمًا وسكانًا خشية التَّفكير بعبورِ بحر الصين لابتلاعِ الصين الوطنيَّة في أيَّة لحظة. أمَّا إقليم الهند الصينيَّة، فهو يتمتَّع باستقرارٍ نسبي بعد عُقودٍ طويلة من الاضطرابات والحروب وقد كان أهمّها حروب فيتنام وكمبوديا الباقية حتَّى اللَّحظة في الذَّاكرة الآسيويَّة والأميركيَّة على حدٍّ سواء، ولم تزَلْ شِبه القارَّة الهنديَّة تُعاني من آلامٍ مُبرحة؛ بسببِ الانفجارات السكَّانيَّة العصيَّة على السَّيطرة في بنجلاديش والهند والباكستان، وهي حال تُنذر بطوفانٍ بَشَري يُمكِن أنْ يكتسحَ دوَل العالَم المجاورة، حتَّى دوَل الخليج العربي الغنيَّة بالنِّفط الَّتي تتمتَّع باستقرارٍ نسبي وهو نتيجة ثراء كبير، ولكنَّه غير كافٍ لامتصاص الطوفانات السكَّانيَّة الآسيويَّة المُرعِبة إذا فلتَتْ من عِقالها ! وإذا كانتْ أفغانستان قد أفلتَتْ من آفاتِ الحروب والحرب الأهليَّة، فإنَّها لا تزالُ تبحثُ عمَّا يَضْمَن لها مستقبلًا معقولًا ومقبولًا دوليًّا في ظلِّ حكومةٍ إسلاميَّةٍ عاجزة عن تقديم نموذج إسلامي مقبول لسُلطة يَقُودُها إسلاميُّون لدَيْهم نظرة مختلفة تجاه المرأة من حيث حقوقها، اعتمادًا على ديمقراطيَّة جوفاء، على نَحْوٍ يُقدِّم الإسلام عبئًا مخيفًا على الحداثة والتَّحديث في نظرِ الآخرين الَّذين يتابعون تطوُّرات كابول بدقَّة، درجة تحويل قندهار إلى بعبع مُخيف على المستوى الدولي! أمَّا النّموذج الإسلامي الإيراني، فإنَّه يبقى مقطع الأجنحة، مُهددًا بالضَّربات العسكريَّة الأميركيَّة و»الإسرائيليَّة» بسبب إصراره على متابعة واستئناف برنامجه النَّووي الَّذي تخشى «إسرائيل» مِنْه على وجودها وتهابه الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة، درجة التَّهديد بقصف منشآت إيران النَّوويَّة، وهي كُرة النَّار المتوقَّعة الَّتي يُمكِن أن تقفرَ حواجز حدوديَّة نَحْوَ الدوَل العربيَّة الأكثر استقرارًا وثراءً، وهو ما يخشاه العالَم الغربي المعتمد في مضمار الطَّاقة على هذا الإقليم الخليجي الَّذي يُشكِّل صمام أمان المنطقة عالَميًّا.
أمَّا العراق، فلم يزَلْ يئنُّ من حقبة الحروب الماراثونيَّة الَّتي استنزفتْ طاقاته وثرواته، بل وأدَّتْ حتَّى إلى التَّأثير على مستقبله، لبالغ الأسف.
أ.د. محمد الدعمي
كاتب وباحث أكاديمي عراقي