أيها الأحباب: ولا يزال الحديث موصلا حول اللقاء الحسم في هذه المعركة فيكمل الطبري فيقول:(فلقوا جموع الروم في خمسمائة مركب او ستمائة فِيهَا القسطنطين بن هرقل، فَقَالَ: أشيروا علي، قَالُوا: ننظر الليلة، فباتوا يضربون بالنواقيس، وبات الْمُسْلِمُونَ يصلون ويدعون اللَّه،ثُمَّ أصبحوا وَقَدْ أجمع القسطنطين أن يقاتل، فقربوا سفنهم، وقرب الْمُسْلِمُونَ فربطوا بعضها إِلَى بعض، وصف عَبْد اللَّهِ بن سَعْد الْمُسْلِمِينَ عَلَىنواحي السفن، وجعل يأمرهم بقراءة القرآن، ويأمرهم بالصبر، ووثبت الروم فِي سفن الْمُسْلِمِينَ عَلَى صفوفهم حَتَّى نقضوها، فكانوا يقاتلون عَلَى غير صفوف،قَالَ: فاقتتلوا قتالًا شديدًا ثُمَّ إن اللَّه نصر الْمُؤْمِنِينَ، فقتلوا مِنْهُمْ مقتلة عظيمة لم ينج من الروم إلا الشريد،قَالَ: وأقام عَبْد اللَّهِ بذات الصواري أياما بعد هزيمة القوم، ثُمَّ أقبل راجعا، وجعل مُحَمَّد بن أبي حُذَيْفَة يقول للرجل: أما وَاللَّهِ لقد تركنا خلفنا الجهاد حقا، فيقول الرجل: وأي جهاد؟ فيقول: عُثْمَان بن عَفَّانَ فعل كذا وكذا، وفعل كذا وكذا حَتَّى أفسد الناس فقدموا بلدهم وَقَدْ أفسدهم، وأظهروا من القول مَا لم يكونوا ينطقون بِهِ،قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: فَحَدَّثَنِي معمر بن راشد، عن الزُّهْرِيّ، قَالَ:خرج مُحَمَّد بن أبي حُذَيْفَة ومحمد بن أبي بكر عام خرج عَبْد اللَّهِ بن سَعْدٍ، فأظهرا عيب عُثْمَان وما غير وما خالف بِهِ أبا بكر وعمر، وإن دم عُثْمَان حلال،ويقولان: استعمل عَبْد اللَّهِ بن سَعْد، رجلا كَانَ رَسُول الله ص أباح دمه ونزل القرآن بكفره، وأخرج رَسُول الله قومًا وادخلهم، ونزع اصحاب رسول الله وَاسْتَعْمَلَ سَعِيد بن الْعَاصِ وعبد اللَّه بن عَامِر فبلغ ذَلِكَ عَبْد اللَّهِ بن سَعْدٍ، فَقَالَ:لا تركبا معنا، فركبا فِي مركب مَا فِيهِ أحد مِنَ الْمُسْلِمِينَ، ولقوا العدو، وكانا اكل الْمُسْلِمِينَ قتالا، فقيل لهما فِي ذَلِكَ، فقالا: كيف نقاتل مع رجل لا ينبغي لنا أن نحكمه! عَبْد اللَّهِ بن سَعْد استعمله عُثْمَان، وعثمان فعل وفعل، فأفسدا أهل تِلْكَ الغزاة، وعابا عُثْمَان أشد العيب فأرسل عَبْد اللَّهِ بن سَعْد إليهما ينهاهما أشد النهي، وَقَالَ: وَاللَّهِ لولا أني لا أدري مَا يوافق أَمِير الْمُؤْمِنِينَ لعاقبتكما وحبستكما).
ومن أبرز الشخصيات في هذه الغزوة (أم حرام بنت ملحان)وقد (خرجت أم حرام بنت ملحان في غزوة ذات الصواري وركبت البحر ذكرت أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كان ينام هناك ثم يصحو وهو يضحك، فقالت له: ما يُضحكك يا رسول الله؟ قال:أناس من أمتي يركبون زَبَد هذا البحر، ملوك على الأَسِرَّة أو كالملوك على الأَسِرّة، فقال: ادْعُ الله أن أكون منهم، فدعا لها فاستجاب الله دعاءه، وخرجتْ في الغزوة، ولما ركبوا البحر الأبيض أرادت أن تخرج فماتت،إذن: فالبشارة في هذه الآية ليست بشارة لفظية، إنما هي بشارة واقعية لها واقع يؤيدها، قد حدث فعلًا)(تفسير الشعراوي 17/ 10323)، ومن أبرز الشخصيات أيضا من ذكره ابن قتيبة: (وهو علي بن رباح بن قصير بن قَشيب بن يَيْنَع الإِمام الثقة أبو موسى اللَّخمي البصري، وكان من كبار علماء التابعين، وله وِفادة على معاوية، ذهبت عينه يوم غزوة ذات الصَّواري في البحر مع الأمير عبد الله بن سعد بن أبي سَرْح في سنة أربع وثلاثين، أغزاه الأمير عبد العزيز بن مروان إلى أفريقية، فلم يزل مرابطًا بها إلى أن مات سنة 105 هـ، السير 5/ 103)(المسائل والأجوبة لابن قتيبة، ص: 97).
ومن هذه الغزوة نأخذ دروسًا كثيرة أهمها أن الله ناصر دينه وأهل ملته عاجلًا أو آجلًا، وأننا نحتاج إلى أن نجتمع معًا ونوحد صفوفنا ففي ذلك النصرة والمنعة وهو أمر إلهي، ولهذا (في ذات الصواري صفَّ عبدالله بن سعد المسلمين على نواحي السفن، يَعِظُهُم ويأمرهم بتلاوة القرآن، خاصة سورة الأنفال) (أول مرة أتدبر القرآن، ص: 354)، (ولولا مهارة عساكر الاسلام وجند القرآن في علوم البحار وأولها إتقان السباحة ما تسنى للصحابة أن ينتصروا علىالروم في معركة ذات الصواري في الاسكندرية ولا طرقوا بأيديهم القوية أبواب القسطنطينية على عهد معاوية)(المجموع شرح المهذب 15/ 141).. وأخيرًا أسأل الله أن يؤلف بين قلوبنا ويجمع كلمتنا وينصرنا على أعدائنا. آمين.
محمود عدلي الشريف