من وجوه الإعجاز في القرآن الكريم، وهي كثيرة، الإعجازُ الصوتيُّ في حروف سَمَّوْها (حروفَ التفخيم)، وهي كذلك حروفٌ جهرية، وتسمَّى حروف الاستعلاء، أو حروف الإطباق، وقد يطلق على بعضها الحروف الأَسَلِيَّة.
ومعنى التفخيم في اللغة هو التعظيم، أو التسمين،وفي الاصطلاح (أي عند أهل التجويد) هو سِمَنٌ يدخل على صوتِ الحرفِ حتى يمتلئ الفَمُ بصداه، أما الترقيق فهو في اللغة التنحيفُ، وهو ضدُّ التفخيم، وفي الاصطلاح هو نُحُولٌ يدخل على صوتِ الحرفِ، فلا يمتلئ الفمُ بصداه، وتنقسم الأحرف الهجائية بين التفخيم والترقيق إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول حروفٌ تفخَّم دائمًا، وهي حروف الاستعلاء:(خص ضغط قظ)، والقسم الثاني حروفٌ تفخم تارةً، وترقَّق تارةً أخرى، وهي:(الألف، والراء، ولام اسم الجلالة)، وغنة الإخفاء، والقسم الثالث حروفٌ مرقَّقة دائمًا، وهي باقي الحروف الهجائية، وتفخَّم حروفُ الاستعلاء:(خص ضغط قظ) في جميع الأحوال، ولا يُستثنَى منها شيءٌ سواء جاورتْ حرفًا مُسْتَفِلًا أم لم تجاورْه،وتتفاوت درجةُ تفخيمِ حروفها بحسب ما تتصفُ به من صفات القوة، فأشدُّها تفخيمًا حروف الإطباق، وهي:(الطاء، ثم الضاد، ثم الصاد، ثم الظاء)، ويلي حروفَ الإطباق باقي حروف الاستعلاء، وهي:(القاف، ثم الغين، ثم الخاء).
ومخرج حرق القاف - وهومن الحروف اللَّهَوِيَّة - هو أقصى اللسان مع استعلائه، وما يقابله من الحنك العلوي، ومن صفاتهالجهر، والشدة، والاستعلاء، والانفتاح، والإصمات، والقلقلة، وهي صفات سوف نستغلها في سياق ورود القاف عندما نحلل الآيات، ونقف على جلال مجيء الصاد في محالها من اللفظ، وتناغمه مع المعنى.
وأما حرفُ الصادِ فهو من الحروف الأسلية (والحروف الأسلية هي الضاد، والسّين، والزّاي)، وتخرج هذه الحروف من طرف اللسان مع ما بين الثنايا العليا والسفلى، وسُمِّيَتِ بالحروف الْأَسَلِيَّةِ؛ لأنها تخرج من أَسَلَةِ اللسانِ، أيْ طرفه، أو مُسْتَدَقُّه، أو رأسُه، والْأَسَلَ: رأسُ الشيء المُسْتَدَقّ) ، ومخرج الصادهو طرف اللسان، فوق الثنايا السفلى، مع إبقاء حيز ضيق بين سطح اللسان، والحنك الأعلى لمرور الهواء هاربًا، ومن صفاتهالهمس، والرخاوة، والاستعلاء، والإطباق، والإصمات، والصفير، وسوف نستغل تلك الصفات في بيان الإعجاز الصوتي في تلك الكلمات التي بها حرف الصاد، وتناغمها مع الدلالة القرآنية التي سيقتْ لها الكلمة، وتشكل منها الحرف، وكيف أسهم في الإعجاز في سياقه الذي ورد فيه.
وأما حرف الهمزة فمن صفاته أنه: من الحروف الحلقية، وأن مخرجه من أقصى الحلق، وأن من صفاتهالجهر، والشدة، والاستفال، والانفتاح، والإصمات، والحروف الحلقية (أولا الحلق هو الفراغ ما بين الحنجرة، وأقصى اللسان، وهو مخرج عامٌّ، به ثلاثة مخارج خاصة: (أقصى الحلق، وسط الحلق، أدنى الحلق)، ويخرج منه بشكل عام ستة أحرف: (الهمزة، الهاء، العين، الحاء، الغين، الخاء)، وتلقَّب تلك الستة بالحروف الحلقية؛ لخروجها من الحلق) هي الستة الآتية - كما سبق-: الهمزة، الهاء، العين، الحاء، الغين، الخاء، وهي أيضا حروف الإظهار عند أهل التجويد، وجمعتها الجملة الأثيرة عندهم، وهي:(أخي هاك علمًا حاذه غير خاسر)، وجمعها بيت:(تُحْفَةُ الْأَطْفَالِ وَالْغِلْمَانِ فِي تَجْوِيْدِ الْقُرْآنِ) للشَّيــخِ سُلَيمَانَ بنِ حُسَينِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ شَلَبِيٍّ الْـجَمْزُورِيِّ الشَّهِيرِ بِالأَفَنْدِيِّ ، وهما:
فَـالأَوَّلُ الإظْـهَارُ قَـبْـلَ أَحْـرُفِ
لِلْحَـلْـقِ سِـتٌ رُتِّبَتْ فَلـتَـعْرِفِ
هَمْـزٌ فَـهَـاءٌ ثُـمَّ عَـيْـنٌ حَـاءُ
مُـهْمَلَـتَانِ ثُــمَّ غَيْــــــنٌ خَــاءُ
د.جمال عبدالعزيز أحمد
كلية دار العلوم ـ جامعة القاهرة - جمهورية مصر العربية