مع نهاية كُلِّ عامٍ وبداية عام جديد، وقَبل أن نقلبَ الورقة الأخيرة من الروزنامة الأياميَّة، نحاولُ أن نُعِيدَ برمجة أدمغتنا من جديدٍ في محاولةٍ لتخليصِها من الـ»هوَس الأخباري» الَّذي طاردَها طيلة عامٍ كامل بمعلومات عمَّا حدَث ويحدُث، دُونَ التَّعريف ولو بمعلومةٍ صغيرة عن لماذا حدَث، وكيف حدَث، واكتشفت أنَّ الأروعَ والأعقلَ والأكفأ فِينا هو من يهجر الحديث الطويل والفَهْم المتعمق، ويجري بأقسى سرعة دُونَ أن ينظرَ وراءه أو يلحقَه أحَد لتفسيرِ أيٍّ من الأحداث، مع العبور على كُلِّ شيء بسرعة لا تُتيح لنا التَّمعُّن ولا التَّدقيق ولا السُّؤال، ثمَّ نهرب من التَّفكير في الكلام الجاهز والمغلَّف والشَّائع عن المؤامرة الَّتي دائمًا نلصقها بكُلِّ أحداثنا، وهي وضع الصرصور في الطَّعام من قِبل الطَّاهي الغربي ـ ولا نعرف هل هو حديثٌ عامي أم حقيقة موَثَّقة عن قضيَّة علميَّة وتاريخيَّة نعيشُ أحداثها ولا نعرف لماذا نحن بالتَّحديد؟
بدايةً نبدأ بالأُمور الإيجابيَّة في حياتنا وإن كانتْ قليلةً إلَّا أنَّها منيرة في سماء الغيوم الَّتي طغَتْ عَلَيْنا وألزمَتنا اكتساء اللَّون الأسود. فقد شهدتْ سلطنة عُمان بفضلِ الزِّيارات الَّتي قام بها جلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ إلى عدَّة عواصم إقليميَّة وعالَميَّة، إضافةً إلى استقبالاته لزعماء وقادة العالَم فـي مسقط خلال العام 2024 الَّذي أوشك على الانتهاء، نشاطًا سياسيًّا واقتصاديًّا ملحوظًا، ممَّا انعكسَ إيجابًا على مكانتها إقليميًّا وعالَميًّا؛ كونها أصبحتْ مركزًا تجاريًّا يتمتَّع بالاستقرار والأمن والأمان، مع تأكيد والتزام سلطنة عُمان بتعزيز العلاقات الدّوليَّة، وتعزيز الأجندات السِّياسيَّة والاقتصاديَّة السِّلميَّة الَّتي يتبنَّاها العالَم من أجْلِ التَّنمية المستدامة، ومن أجْلِ تعزيز السِّلم الدّولي. فكانتْ كُلُّ محطَّة يقفُ عِندَها جلالة السُّلطان المُعظَّم وبفضلِ توجيهاته السَّديدة للحكومة الرَّشيدة في تنفيذ الأجندة الإقليميَّة والمحليَّة الَّتي تصبُّ في علاقات تجاريَّة متَّزنة ونافعة لكُلِّ الأطراف ممَّا يُسهم في رفاهيَّة الشَّعب العُماني والشُّعوب الشَّقيقة والصَّديقة، وهو نهجٌ عُماني أصيلٌ يستند إلى ميراثٍ دبلوماسي وسمعة تاريخيَّة مناصرة للسَّلام، وداعية شعوب العالَم إلى الحذوِ في هذا الاتِّجاه السِّلمي، وهو نتاج ثقافة السَّلام والَّتي تتحقَّق عَبْرَ السِّياسات المتوازنة وعَبْرَ تشابُك العلاقات الثَّقافـيَّة والاجتماعيَّة والاقتصاديَّة وتبادُل المصالح بَيْنَ مختلف الشُّعوب. أسفرت عن توقيع اتفاقيَّات تتماشى مع أهداف التَّنوُّع الاقتصادي بموجب «رؤية 2040 «وتسلِّط الاتفاقيَّات الأخيرة مع الشُّركاء العالَميِّين لتطوير مشاريع الهيدروجين الأخضر وتوسيع البنية الأساسيَّة للموانئ الضَّوء على طموح عُمان فـي وضع نَفْسها كقائدة فـي التَّنمية المستدامة وبوَّابة للتِّجارة العالَميَّة.
أمَّا إذا أردنا الحديث عن المواقف الدّوليَّة لِمَا يحدُث لأهلِنا في غزَّة وتبعها أهلُنا في جنوب لبنان فنجد أنَّ اليَدَ الآثمة للصهيونيَّة العالَميَّة لم تتركْ للإنسانيَّة أيَّ حرمةٍ؛ فداستْ وعاثتْ فسادًا في الأرض من قتلٍ ودمارٍ وتشريدٍ للعام الثَّاني على التَّوالي دُونَ أيِّ موقفٍ دولي، سواء من الدوَل الكبرى أو المُنظَّمات الدّوليَّة والأُمميَّة الحاكمة لشُعوبِ العالَم، فكانتِ الضَّحيَّة دائمًا الشُّعوب العربيَّة، وما كان للهوانِ العربي والتَّفرقة الَّتي يتمُّ زرعها باستمرارٍ سوى نتاج لأحداثٍ كان حصادها قتل عشرات الآلاف من الأبرياء والمَدَنيِّين العُزَّل على يَدِ الصهيونيَّة العالَميَّة، فامتدَّتِ اليدُ الآثمة من غزَّة العزَّة إلى جنوب لبنان في الأوَّل من أكتوبر عام 2024 تصعيدًا للاشتباكات المستمرَّة بَيْنَ جيش الاحتلال الصهيوني والمقاوَمة الإسلاميَّة في جنوب لبنان الَّتي تُعَدُّ امتدادًا للاعتداء على الأراضي العربيَّة، جاء الغزو عقبَ سلسلةٍ من الهجمات أدَّتْ إلى تدهوُر قدراته وقضَتْ على قياداته، وقد بدأتِ الهجمات بعمليَّات انفجارِ أجهزة النِّداء الآلي ثمَّ اغتيال قادة الحزب ثمَّ أمينِه العامِّ حسن نصر الله، وقَبلها اغتيال رئيس المكتب السِّياسي لحركة حماس إسماعيل هنيَّة إثْر غارة استهدفتِ مقرَّ إقامته في طهران الَّتي زارها لحضور مراسم تنصيب الرَّئيس مسعود بزشكيان، هكذا كانتْ وما زالتِ الأيدي الآثمة للعدوِّ الصهيوني تغتالُ وتقتلُ دُونَ رادع أو حسيبٍ مع صمودٍ لم يشهدْ له التَّاريخ مثيلًا من أهْلِ غزَّة، وخذلان لم يمرَّ على تاريخ الأُمَّتين العربيَّة والإسلاميَّة من قَبل.. هذه أحداث لنهايةِ عامٍ شديد الغيوم، أمَّا الخوف كُلُّ الخوف فهو من أحداث توقَّعها الكثيرون للعام 2025 وقد تكُونُ قطفًا لثمار بذورها زرعت ورويت من الغيوم فتحمل معها الكثير من السموم.
جودة مرسي
من أسرة تحرير «الوطن »