تؤكِّد المدارس الدبلوماسيَّة المُتخصِّصة بالعلوم السِّياسيَّة والعلاقات الدّوليَّة والقانون الدّولي بضرورة صقل مهارات وحرفيَّة موظَّفيها المُبتَعثين إلى هيئات ومُنظَّمات الأُمم المُتَّحدة، وأن يكُونُوا بدرجةٍ عالية من المهارات الدبلوماسيَّة بجميع تفرُّعاتها، ومِنْها: مفاهيم البروتوكول الدّولي والإتيكيت الحكومي، عِلْم اللُّغة العام (العربي، الإنجليزي)، فلسفة القرار (الوظيفة، النَّحْو، عِلْم الكلمة)، قرارات وتعليمات هيئة الأُمم المُتَّحدة، نظام الأسبقيَّة وإتيكيت التَّعامل مع المُنظَّمات ذات العلاقة، سِمات وأجندة فنِّ المفاوضات وإدارة الحديث وفنِّ المجاملة، مُقوِّمات القيادة والإدارة الحديثة بحضور وإعداد محاضر الاجتماعات، جوهريَّة العلاقات العامَّة والتَّواصُل مع وسائل الإعلام، الدِّراية الكاملة بالتكنولوجيا السَّائدة في هيئات ومُنظَّمات الأُمم المُتَّحدة.. وغيرها من المحاور والمجالات ذات العلاقة بالعمل اليومي، وهو ليس بعمل روتيني اعتيادي، وإنَّما هو عمل وظيفي بأعلى درجات التِّقنيَّة الدبلوماسيَّة الرَّاقية ذات الأهداف التَّكتيكيَّة والاستراتيجيَّة الَّتي تعتمد عَلَيْها الدَّولة. تُعَدُّ صياغة قرارات مجلس الأمن في غايةِ الحنكة والمِهنيَّة الأكاديميَّة الَّتي تستندُ إلى المنطقِ السِّياسي لتحقيقِ هدفٍ ما. وعلى الدبلوماسي أن يقرأَ ويتمعَّنَ ما بَيْنَ السُّطور، وليس ما هو مكتوب ومسموع؛ لأنَّ ما أُخفيْ من هدفٍ أكبر بكثيرٍ ممَّا كتَب في القرار. إنَّ قرارات مجلس الأمن ذات مغزًى سياسي ومنطقٍ فلسفي ولُغوي في غاية الدقَّة والحرفيَّة وذات هدفٍ معيَّن مرصود.
ممَّا لا شكَّ فيه أنَّه ومن الضروري جدًّا وعلى الدَّولة ووزارة خارجيَّتها في أن تفكرَ مليًّا قَبل أن ترسلَ طاقمها إلى الأُمم المُتَّحدة ومؤسَّساتها، على أن يتمتَّعَ أعضاؤها باحترافيَّة ومهارة عالية من حيثُ بُعْدُ النَّظر وتحليل وقراءة ما بَيْنَ السُّطور، والأفضل أن يكُونُوا من حمَلة الشَّهادات المُتخصِّصة في مجال العلوم السِّياسيَّة واللُّغات والقانون الدّولي لكَيْ يكُونُوا على بَيِّنَة بما يَدُوْر حَوْلَهم؛ لأنَّ أيَّ موافقة أو رفضٍ قد يؤدِّي إلى عواقب وَخِيمة لبلدِهم؛ بسببِ سُوء التَّحليل وعدم القراءة الصَّحيحة لقرارات مجلس الأمن وبقيَّة مؤسَّساته، لذلك يَجِبُ أن يكُونَ اختيار أعضاء السِّلك الدبلوماسي في غاية الدقَّة بعيدًا عن العشائريَّة والمذهبيَّة والمصالح والعلاقات الشَّخصيَّة. وقَبل التَّطرُّق إلى كيفيَّة الصِّياغة اللُّغويَّة لقراراتِ مجلس الأمن ومدَى تأثيرِها على سياسة الدوَل والعالَم بصورةٍ عامَّة؛ عَلَيْنا التَّعرُّف أوَّلًا على هيكليَّة الأُمم المُتَّحدة ومؤسَّساتها وعلى الجهات والمؤسَّسات الأُمميَّة ذات اليَدِ العُليا في إصدار القرارات والَّتي قد تُغيِّر كثيرًا من استراتيجيَّات الدوَل، وهذا ما سوف نتطرَّق لِيكُونَ القارئ على وضوحٍ ودراية ما يَدُوْر خلف الكواليس في أروقة مبنى الأُمم المُتَّحدة، وهي كما يلي:
(1) الأُمم المُتَّحدة: وتتكوَّن من الأجهزة الرَّئيسة وهي: الجمعيَّة العامَّة، مجلس الأمن، المجلس الاقتصادي والاجتماعي، مجلس الوصاية، محكمة العدل الدّوليَّة، الأمانة العامَّة للأُمم المُتَّحدة، وجميعها أُنشئت عام 1945م عِندَما تأسَّستِ الأُمم المُتَّحدة، وقَبل ذلك أي: قَبل نشوب الحرب العالَميَّة الثَّانية كانتْ تُسمَّى (عصبة الأُمم) الَّتي تأسَّستْ عام 1919م بعد الحرب العالَميَّة الأُولى، حيث وافقتِ الجمعيَّة العامَّة لعصبةِ الأُمم يوم الـ(3) من تشرين الأوَّل ـ أكتوبر 1932م على قَبول العراق عضوًا في عصبة الأُمم بناءً على طلبِ الانضمام المُقدَّم من المملكة العراقيَّة ـ آنذاك ـ بتوقيع رئيس الوزراء الأسبَق نوري باشا السَّعيد بتاريخ الـ(12) من تموز ـ يوليو 1932م، لِيصبحَ العراق أوَّل دَولة عربيَّة تنضمُّ إلى هذه المُنظَّمة الدّوليَّة في حينها كان العراق أحَد الأعضاء المؤسِّسين للأُمم المُتَّحدة منذُ الـ(21) من ديسمبر 1945م كمملكة العراق، حيث وقَّع على إعلان الأُمم المُتَّحدة في عام 1943م كعضوٍ في الأُمم المُتَّحدة والتحقَ بالرَّكب الأُممي التَّأسيسي من الدوَل العربيَّة كُلٌّ من:(سوريا، لبنان، مصر، والسعوديَّة)، وكذلك فقد تمَّ الإعلان عن انضمام سلطنة عُمان إلى الأُمم المُتَّحدة، في السَّابع من أكتوبر ١٩٧١م ورافقَ ذلك رفع عَلَم السَّلطنة في ساحة المُنظَّمة الدّوليَّة في نيويورك استنادًا إلى قرار مجلس الأمن التَّابع للأُمم المُتَّحدة رقم:(299)، الَّذي اعتمدَ بالإجماع في الـ(30) من سبتمبر 1971م، بعد النَّظر في طلب سلطنة عُمان للانضمام إلى عضويَّة الأُمم المُتَّحدة، أوصَى المجلس الجمعيَّة العامَّة بقَبول سلطنة عُمان.
(2) الجمعيَّة العامَّة: وهي جهاز التَّشاور ووضع السِّياسات والتَّمثيل في الأُمم المُتَّحدة، ولجميع الدوَل الأعضاء الـ(193) في الأُمم المُتَّحدة تمثيل في الجمعيَّة العامَّة، ممَّا يجعل هذا الجهاز جهازًا ذا تمثيل عالَمي بامتياز، وفي كُلِّ سنَة بدءًا من أيلول/ سبتمبر، تجتمع الدوَل الأعضاء في الأُمم المُتَّحدة في قاعة الجمعيَّة العامَّة بنيويورك للدَّوْرة السَّنويَّة للجمعيَّة العامَّة، وعلى رؤساء الدوَل أو مَن يُمثِّلهم إلقاء خِطاب (بروتوكولي) وحسب الحروف الأبجديَّة الإنجليزيَّة تكُونُ الأسبقيَّة في الكلام. (المصدر: الموقع الرَّسمي للأُمم المُتَّحدة ـ موقع وزارة الخارجيَّة العُمانيَّة).
د. سعدون بن حسين الحمداني
دبلوماسي سابق والرئيس التنفيذي للأكاديمية الدولية للدبلوماسية والإتيكيت