الخميس 19 ديسمبر 2024 م - 17 جمادى الآخرة 1446 هـ
أخبار عاجلة

اللغة العربية والذكاء الاصطناعي

اللغة العربية والذكاء الاصطناعي
الاثنين - 16 ديسمبر 2024 06:24 م
10


تعزيز الابتكار مع الحفاظ على التراث الثقافـي

مسقط ـ العُمانية: تحتفل سلطنة عُمان باليوم العالمي للغة العربية هذا العام تحت عنوان (اللغة العربية والذكاء الاصطناعي: تعزيز الابتكار مع الحفاظ على التراث الثقافي)، الذي يصادف الـ18 من ديسمبر الجاري، وفق ما أعلنت عنه منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، اعتزازًا بلغة الضاد الخالدة، والمتجذرة بأصولها في قدم التاريخ، والأداة الفاعلة في تعزيز التواصل الاجتماعي والحضاري للبشرية.

ولأن اللغة العربية تمثل الهُوية والحضارة؛ فقد اعُتمدت كإحدى اللغات الرسمية الـ6 المعتمدة في الأمم المتحدة، بيانًا لفضلها، واعترافًا بأهميتها، وتأكيدًا لتأثيرها الحضاري والعلمي والثقافي المباشر وغير المباشر على كثير من اللغات الأخرى.

جملة من التساؤلات في سياق العلاقة بين اللغة العربية والذكاء الاصطناعي مع عدد من المختصين في سلطنة عُمان تشخص الأدوار التي من الممكن أن يقوم بها الذكاء الاصطناعي من أجل تطوير اللغة العربية لتكون أكثر حضورًا مع الناطقين بغيرها، والطرق التي يساعد فيها الذكاء الاصطناعي من أجل حفظ وتوثيق التاريخ العربي بما فيها المخطوطات التاريخية والحفاظ على التاريخ الثقافي غير المادي بكافة فروعه ومنه التاريخ الشفهي واللهجات المتعددة، مرورًا بدعم الذكاء الاصطناعي للغة من أجل التعريف بالهوية الثقافية والتاريخية للمجتمعات الناطقة بالعربية.

في هذا السياق يقول الكاتب الدكتور هلال بن سعيد الحجري: الجامعات والمؤسسات التربوية في العالم العربي ما تزال تفتقر إلى الدراسات الرائدة في الذكاء الاصطناعي ودوره المحتمل في التعليم خاصة في مجال اللغة العربية.، وكل ما يمكن الاعتماد عليه حتى الآن هو الدراسات التي اكتشفت العلاقة بين هذه الطفرة التقنية الهائلة واللغة الإنجليزية وبعض اللغات الأوروبية الحية مثل الفرنسية والألمانية والإسبانية. ومن هنا، يمكن لبعض المنظمات الإقليمية المعنية بالترجمة والتعريب واللغة العربية أن تبادر إلى عقد مؤتمرات تستكشف تطبيقات الذكاء الاصطناعي وإمكانية الإفادة منه في تعليم اللغة العربية للناطقين بها أو الناطقين بغيرها.

ويضيف: يمكننا الآن أن نستأنس بما توصلت إليه الأبحاث في اللغات الأخرى وتطبيقه على اللغة العربية. على سبيل المثال، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد معلمي اللغة العربية على تصميم الدروس والأنشطة التي تركز على المفردات ومواقف التواصل ذات الصلة بمجالهم. وبهذه الطريقة، يتم تعزيز فعالية التعلم إلى الحد الأقصى وتسهيل اكتساب المهارات اللغوية المتخصصة، ومن المعروف أن دمج الذكاء الاصطناعي في التعليم قد ولّد تقدمًا وفرصًا كبيرة في تعلم اللغات بشكل عام، فقد أدى الذكاء الاصطناعي إلى تطوير روبوتات الدردشة مثل (تشات جي بي تيChatGPT) التي تعطي الطلاب فرصة لممارسة مهارات التحدث بشكل تفاعلي، كما تمكنهم من تحسين التغذية الراجعة الفورية في تصحيح التمارين الكتابية والشفوية؛ مما يسهل عملية التعلم ويعزز استقلالية الطالب. يُترجم هذا التكيف مع احتياجات وأساليب التعلم لكل فرد إلى وصول شخصي إلى تعلم اللغة ويضمن فعاليته وديناميكيته.

ويؤكد: أن الذكاء الاصطناعي قادر على مساعدة المعلمين في تخصيص الفصول الفردية، وإنشاء المواد التعليمية، وتوفير موارد وأنشطة محددة لكل متعلم. كما أنه باستخدام الخوارزميات وتحليل البيانات، يمكن للمعلمين تحديد نقاط القوة والضعف لدى كل طالب وتكييف تدريسهم وفقًا لذلك. كل هذا يفضي إلى تحسين جودة التدريس وتعظيم الأداء وإرضاء الطرفين: المعلم والطالب. وبالمثل، فإنها تقدم مصدرًا لا ينضب عمليًّا من المعلومات، لذلك يسلط العديد من الباحثين الضوء على أن روبوتات الدردشة يمكنها تعزيز التعلم المستقل للطلاب كما يمكنها أن تلعب دورًا مهمًّا في جمع البيانات حول تقدم تعلم الطلاب؛ مما يسهل الاكتشاف السريع للأخطاء والعقبات التي يواجهونها.

كما تقول الدكتورة هدى بنت مبارك الدايرية، رئيسة قسم الشؤون الثقافية باللجنة الوطنية العمانية للتربية والثقافة والعلوم إن تخصيص منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة اليونسكو يوم الثامن عشر من ديسمبر من كل عام للاحتفاء باللغة العربية ما هو إلا تخليدٌ لمآثرها، وإحياءٌ لدورها كوسيط لغوي لنقل العلوم والمعارف المختلفة عبر العصور، وتكريمٌ للناطقين بها، إذ يتحدث بها ما يربو عن 400 مليون نسمة حول العالم، وتستوعب أكثر من (12) مليون كلمة، وهي اللغة الرسمية في (25) دولة فلا عجب في ذلك، فهي لغة القرآن الكريم وكفى به من شرف.

وتضيف: إن الثراء اللغوي لمفردات اللغة العربية في مجالات العلوم المتنوعة كالفنون والشعر والهندسة والطب والصيدلة وغيرها نلتمسه في عدد من الحضارات اليوم؛ بما يدل دلائل مؤكدة على مكانة اللغة العربية وتأثيرها العالمي. فاللغة ليست وسيلة تواصل فقط، بل هي الأداة الَّتي يتعلَّم ويفكِّر بها الإنسان، ومصدر ثرائه اللغوي والثقافي.

وتؤكد: في هذا العام 2024، اعتمدت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة المحور الرئيس لليوم العالمي للغة العربية ليكون بعنوان: (اللغة العربية والذكاء الاصطناعي: تعزيز الابتكار مع الحفاظ على التراث الثقافي)، للسعي نحو تأصيل الدور الحضاري الذي تضطلع به اللغة العربية كأداة لنقل المعارف، وإحدى أدوات ترسيخ الأمن والسلام بين شعوب العالم؛ وهذا بلا شك يؤطر العلاقات الإنسانية، ويعزز تواصلها في المجالات الحضارية المختلفة، لاسيما في ظل الرقمنة وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، والتعددية الثقافية، وحفظ التراث الثقافي واستدامته، وفي هذه المناسبة نشير إلى نجاح سلطنة عُمان في إدراج أحمد بن ماجد المّلاح العُماني ضمن برنامج اليونسكو للذكرى المئوية أو الخمسينية للأحداث التاريخية المهمة والشخصيات المؤثرة عالميًّا، وذلك خلال انعقاد أعمال الدورة الـ41 للمؤتمر العام لليونسكو بمقر المنظمة بباريس بتاريخ 11 نوفمبر من عام 2021.

وتوضح: من الشخصيات العُمانية المؤثرة عالميًا، شاعر عُمان الكبير أبو مسلم البهلاني، الذي يعد بحق الشخصية الموسوعية، فهو صحفي ولغوي وشاعر وفقيه، وله من الممكنات التي قادت اللغة العربية إلى آفاق أرحب وأوسع لاسيما في مجال الصحافة والأدب خاصة الشعر. كما يأتي إدراج الخط العربي كملف مشترك مع (15) دولة عربية أخرى في الـ 14 من ديسمبر من العام 2021 على هامش الاجتماع السادس عشر للجنة الدولية الحكومية لصون التراث الثقافي غير المادي، ليحكي نجاح تجربة أخرى تضاف لسلطنة عُمان، كون الخط العربي يُشكل أحد مفردات الحضارة العربية، ويصون الهُوية الثقافية، ويُعزز الحوار بين الثقافات العالمية.

ويشير الدكتور زاهر بن بدر الغسيني، الأستاذ المشارك بقسم اللغة العربية وآدابها، بجامعة السلطان قابوس إلى أن استقراء المشهد الثقافي المعاصر يُثبت بأن العلاقة بين اللغة العربية والذكاء الاصطناعي هي علاقة تأثير وتأثر، فقد بات حتمًا على اللغة العربية أن تعيش إرهاصات ثورة الذكاء الاصطناعي التي فرضت نفسها على العالم، وأن تستفيد العربية من النهضة المعرفية والعلمية في توسيع قاعدة الناطقين بها. إن ما يميز لغة القرآن الكريم بأنها لغة ذات بناء وخصائص تبدو صعبة للناطقين بغيرها أو حتى الناطقين بها أيضًا، لكونها لغة ذات خصائص لغوية معقدة منها الاشتقاق اللغوي مثلاً، الذي مكَّن العربية من توليد ألفاظ احتاجتها العربية في مسايرة متغيرات العالم.

ويضيف: أصبح الذكاء الاصطناعي فرصة لاستفادة العربية من البرمجيات والخوارزميات التقنية التي يُمكن أن تُيسر الفهم اللغوي وتعلم اللغة العربية ومزاحمتها للغات العالمية، وتفرض هذه المرحلة على الحكومات العربية الاستفادة من النهضة التقنية والعلمية في بناء سياسات تستثمر نهضة الذكاء الاصطناعي في خدمة اللغة العربية ومواجهة التحديات التي تحدُّ من توسع انتشارها عالميًا.

ويشير سعيد محمد الكلباني، باحث في أسس الذكاء الاصطناعي، وعضو الجمعية العُمانية لتقنيات التعليم إلى أن اللغة العربية هي الحدث الأكثر إثارة للدهشة في تاريخ البشرية، لأنها ظهرت فجأة كلغة كاملة، ولم يطرأ عليها أي تغيير ملحوظ. أي أنه ليست لها طفولة، وليس لها شيخوخة، هذا ما قاله المستشرق الفرنسي (إرنست رينان) عن لغتنا العربية وهو بذلك يؤكد ثباتها وعدم تحولها رغم الصراعات التي تخوضها بفعل مختلف التغيرات ومنها التقنية.

ويقول: نشهد حوارًا عميقًا وتفاعلًا شديدًا بين أفقين وعالمين ولا نعلم يقينًا من منهما يقود الآخر، هل اللغة العربية تقود الذكاء الاصطناعي وتؤطره حسب مكنوناتها الثرية؟ أم أنّ الذكاء الاصطناعي كتقنية يقود اللغة العربية ويؤطرها حسب خوارزمياته وقدراته؟ للتقارب، ولكي يتضح هذا المنظور أكثر ويغدو قابلًا للفهم ، ينبغي لنا أولا إيجاد نقاط العلاقة بينهما. والتي نرى بأنها تنبع من فهمين مختلفين في التركيب، وهما: الفهم البشري القائم على التجارب الوجدانية والثقافة الإنسانية المتراكمة، والفهم الآخر الآلي المجرد القائم على مجموعة من عمليات التحليل الإحصائي التي تجريها الخوارزميات على مجموعة بيانات مستمدة من إرث الإنسان.