إن النجاح في سوق العمل يتطلب دراسة متأنية لمتطلباته، وفهمًا عميقًا للمهارات المطلوبة، إضافةً إلى شجاعة اتخاذ القرارات الحاسمة والتخطيط الجيد للمستقبل المهني.
تجربة الشاب العُماني خميس تعكس بوضوح أهمية تلك العناصر، فقد كان خميس يعمل كعامل تحميل وتفريغ عفش في مطار مسقط براتب لا يتجاوز 250 ريالًا عُمانيًّا، وفي أحد الأيام، لاحظ خميس شخصًا يوجه الطائرات باستخدام إشارات محددة، وعندما استفسر عن تلك الوظيفة، علم أنها وظيفة مرشد هبوط، وأن راتبها يعادل ثلاثة أضعاف راتبه، اكتشف أيضًا أن هذه الوظيفة تتطلب تدريبًا خاصًّا يُجرى في أحد البلدان الآسيوية، بدلًا من التذمر من وضعه الحالي، قرر خميس أن يستقيل من وظيفته البسيطة وجمع مبلغًا والتحق بذلك البرنامج التدريبي.
وكان البرنامج الذي التحق به خميس شاملًا للعديد من المعارف والمهارات والقيَم والاتجاهات، ويهدف إلى إعداده لاكتساب كافة المهارات الضرورية لتوجيه الطائرات بسلامة وكفاءة، وخلال ستة أشهر من التدريب المكثف، تعلم خميس استخدام الإشارات اليدوية المعيارية المعتمدة دوليًّا لتوجيه الطائرات بدقة ووضوح، كما تلقَّى تدريبًا على بروتوكولات السلامة داخل المطارات، شمل التعامل مع الطوارئ، ومعرفة مسارات الطائرات وأماكن التوقف بأمان، وتعلَّم أيضًا كيفية التنسيق مع برج المراقبة وطاقم الطائرة والعمل بروح الفريق مع زملائه في أرض المطار، إضافة إلى تطوير مهاراته في قراءة الخرائط والمخططات الملاحية وفهم خصائص الطائرات المختلفة لتوجيهها وفقًا لحجمها ونوعها.
لم يقتصر التدريب على الجوانب الفنية فحسب، بل شمل أيضًا تعزيز القدرة على اتخاذ قرارات سريعة والعمل تحت ضغط الجداول الزمنية الصارمة في المطارات المزدحمة، كما تم التركيز على الجانب البدني، حيث تلقى تدريبات لتحسين تحمله للظروف الجويَّة المختلفة والاستعداد للوقوف لفترات طويلة، ولم يغفل البرنامج مواكبة التقنيات الحديثة المستخدمة في المطارات؛ ما جعل خميس مؤهلًا للتعامل مع الأنظمة المتطورة.
بعد عودته إلى البلاد، تقدَّم خميس للحصول على وظيفة مرشد هبوط وتم قبوله فيها، وبدأ مسيرة مهنية جديدة براتب أعلى بثلاثة أضعاف مما كان يتقاضاه سابقًا، هذه الخطوة لم تكن مجرد تحسين لوضعه المادي، بل كانت مثالًا حيًّا على أن النجاح في سوق العمل يتطلب اكتساب المعارف والمهارات اللازمة وتطوير الذات باستمرار.
إن الذين يبحثون عن عمل يجب أن يحددوا ميولهم وطموحاتهم المهنية بعناية، ثم يسعوا لاكتساب المهارات العملية والتقنية المطلوبة لسوق العمل، إلى جانب ذلك يحتاجون إلى تنمية مهارات تسويق أنفسهم مثل: إعداد السيرة الذاتية، وعرض قدراتهم بشكل فعّال، وبناء علاقات مهنية إيجابية، كما أن المرونة، والصبر، والتطوير المستمر هي عناصر أساسية لأي نجاح مهني، وهي مهارات تنمو وتزدهر مع الوقت عبر مختلف مراحل العمل. تجربة خميس تلخص رسالة واضحة: النجاح ليس حكرًا على أحد، ولكنه يتطلب الإصرار، التعلم المستمر، واستثمار الوقت والجهد في تطوير الذَّات.
د. أحمد بن علي المعشني
رئيس أكاديمية النجاح للتنمية البشرية