يشعُر المرء، بل ويشتكي من أنَّ «الزَّمنَ يطير»، وهو مجرَّد شعور داخلي خيالي مفتعل ويراود المرء، وهو يرَى أنَّه «لا وقتَ لديَّ»! مكرِّرًا هذه العبارة مع رفاقه في العمل ومع زوجته وأبنائه، بل ومشتكيًا من أنَّ إناء الزَّمن غير كافٍ لأعمالِه أو لبلوغِ طموحاته المتوزعة على جميع المضامير: فهو يرنو لأن يكُونَ «أستاذًا» في كُلِّ اختصاص من العسكريَّة والجيش إلى التِّجارة والرِّياضة!
والحقُّ، فإنَّ هذه ميزة لدَى الأفراد الَّذين يشعرون بفوائض طاقاتهم حتَّى أنَّهم يشكون من أنَّ «الفرصَ ضئيلة»، أو غير كافية لعملِ شيء يُخلِّدهم: حتَّى أنَّ أحدَهم بقي يعتذر من مضيّفه للبقاء لتناولِ العشاء معه، ممَّا اضطرَّ المضيف لأن يذكّرَ ضيفَه «شديد الانشغال» بأنَّ جميع الموتى غادروا الحياة وهُـمْ يشتكُونُ من أنَّهم «مشغولون». وهي حقيقة الوجود المرتبك: فحتَّى في أيَّام الإجازة والعطلة والرَّاحة والاستجمام، يعمد الإنسان غير المتصالح مع نَفْسِه إلى اختلاقِ ما يشغلُ بالَه لِيشاغلَ نَفْسَه ويعكِّرَها، ولكن على نَحْوِ الوجوب؛ نظرًا لأنَّ رتابة الحياة و»مشاغلها» تبقى مُهيمنةً على العقلِ وعلى اللاوعي في ذات الوقت، درجةَ تخريبِ أيَّام الرَّاحة والاستجمام بالهموم والعملِ واستذكارِ مشاكله، بل والخوف ممَّا ينتظر الإنسان من أعباء، درجة قول زهیر ابن أبي سلمی:
«سئمت تكاليف الحياة ومن يعش.. ثمانين حَولًا لا أبا لَكَ يَسأَمِ»
وعلى عكس نموذج زهير أعلاه، ترَى أنَّ هناك من زملائه مَن قال: «اليوم خمر وغدًا أمْر»! هذا النَّوع من الأفراد غير المبالين من الَّذين لا يحملون همومًا قبل الاضطرار لحملِها، هُمُ الأطول عمرًا وأكثر سعادة في حياتهم من حملة المسؤوليَّة الَّذين يبحثون عن الهموم وإن لم تكُنْ متاحة!
النَّمط الأوَّل من البَشَر هُمُ الَّذين يوصفون بأنَّهم «أُناس مسؤولون»، بَيْنَما يوصف النَّمط الثَّاني بأنَّهم «أُناس لا مبالين»، فأين تُصنِّف نَفْسك؟ ولماذا؟
أ.د. محمد الدعمي
كاتب وباحث أكاديمي عراقي