تستغلُّ دَولةُ الاحتلالِ الصهيوني كعادتها الأحداث الإقليميَّة والعالَميَّة، وتمارسُ أبشعَ أنواع الدَّمار والقتل، فقد واصلتْ دَولة الاحتلال المارقة جرائمها ضدَّ الشَّعب الفلسطيني الأعزل، حيث أعلنتِ السُّلطات الصحيَّة في قِطاع غزَّة استشهاد (44) فلسطينيًّا وإصابة (74) آخرين في أربع مجازر ارتكبَتْها قوَّات الاحتلال أثناء السَّاعات الماضية ضدَّ العائلات الفلسطينيَّة في عددٍ من المناطق الفلسطينيَّة في قِطاع غزَّة. ويظلُّ الرَّقم المُعلن أقلَّ من الحقيقة، إذ لا يزال عددٌ من الضَّحايا تحتَ الرُّكام وفي الطُّرقات لا تستطيع طواقم الإسعاف والدِّفاع المَدَني الوصولَ إِلَيْهم، ما يصعِّب عمليَّة الإحصاء. وتُعَدُّ هذه المجازر جزءًا من حرب الإبادة الَّتي يشنُّها الكيان الصهيوني ضدَّ أبناء فلسطين، والَّتي أسقطتْ حتَّى الآن ما يفوق الـ(44) ألفًا و(708) شهداء منذُ السَّابع من أكتوبر من العام الماضي.
إنَّ معاناة الشَّعب الفلسطيني وما يتعرض له من مجازر وتجويعٍ وتطهيرٍ عِرقي وتدميرٍ للبنى المَدَنيَّة الأساسيَّة في جميع أنحاءِ الأرض الفلسطينيَّة المُحتلَّة، وخصوصًا في قِطاع غزَّة، يُشكِّل وصمةَ عارٍ في جَبِينِ المُجتمع الدّولي، خصوصًا الدوَل الَّتي تحمي وتساعدُ هذا الكيان الإرهابي الغاصب، الَّذي ارتكبَتْ قوَّاتُه، وبتعليماتٍ مباشرة من القادة السياسيِّين والعسكريِّين الصهاينة، إبادةً جماعيَّة على نطاقٍ لم نشهَدْه منذُ الحرب العالَميَّة الثَّانية، أمام أعْيُنِ العالَم أجمع، خصوصًا وأنَّ مُعْظمَ الخسائرِ الفادحة جاءتْ في صفوف النِّساء والأطفال والعاملِين في المجال الإنساني والمجال الصحّي وكذلك الصحفيِّين، والَّتي لم يشهدْ مثلَها أيُّ صراع في التَّاريخ الحديث، وذلك في ظلِّ الإفلات من العقاب، والسَّماح لمرتكبِي هذه الجرائم بالبقاء فوق القانون.
ولعلَّ فشَلَ المُجتمع الدّولي في فرضِ مبادئه المنصوص عَلَيْها في القانون الدّولي، وقرارات الجمعيَّة العامَّة ومجلس الأمن، والتَّدابير المؤقَّتة وأوامر محكمة العدل الدوليَّة ومحكمة الجنايات الدّوليَّة، هو ما دفعَ الاحتلال إلى تهجيرِ مليونَيْنِ من أبناء فلسطين وتدميرِ مُدُنهم وأحيائهم وجامعاتهم ومستشفياتهم والبنى الأساسيَّة الحيويَّة الضروريَّة لاستدامةِ الحياة في غزَّة، كذلك مواصلة التوسُّع الاستيطاني في الأرض الفلسطينيَّة المُحتلَّة، بما فيها القدس الشرقيَّة، كما أنَّها خيرُ دليلٍ على الحمْلة المنهجيَّة الَّتي تَقُومُ بها دَولة الاحتلال والَّتي تهدف إلى حرمان الفلسطينيِّين من حقوقهم غير القابلة للتصرُّف، بما فيها حقُّهم في الحياة والحُريَّة والكرامة وتقرير المصير، وهي أبسط قواعد القانون الدّولي الَّتي طالَما تشدَّقتْ بها الدوَل الكُبرى وعلى رأسهم الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة.
إنَّ استمرارَ الهجماتِ الإرهابيَّة الَّتي تشنُّها القوَّة القائمة بالاحتلال على المنظَّمات الإغاثيَّة والأُمميَّة، وعلى رأسها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيِّين (الأونروا)، العمود الفقري للاستجابة الإنسانيَّة في غزَّة وشريان الحياة للاجئي فلسطين؛ بهدفِ التَّخلُّص من الوكالة لإلحاق المزيد من الأذى بلاجئي فلسطين، ونفِي وجودهم وحقوقهم، يستلزمُ ضرورةَ عدمِ وقوفِ المُجتمع الدّوَلي صامتًا في مواجهة مِثل هذه الفظائع، والعملِ على ضمانِ حماية واحترام أولئك الَّذين يكرِّسون حياتهم لإنقاذِ الآخرين، فالمُجتمع الدّولي مطالَب بإجبار دَولة الاحتلال على إنهاء هذا الظُّلم التَّاريخي ووضع حدٍّ للاحتلال غير الشَّرعي ومُخطَّطاته الاستعماريَّة والاستيطانيَّة، والاعتراف بحقِّ الشَّعب الفلسطيني في تقرير المصير، وتحقيق الحُريَّة والاستقلال والسِّيادة الحقيقيَّة على كامل أراضي دَولة فلسطين المُحتلَّة.