الحادي عشر من ديسمبر، يوم القوَّات المُسلَّحة، رمز العزَّة والكرامة والنَّصر، ذاكرة وطن الأمجاد والبطولات، تاريخ عظيم صنع عُمان القوَّة، استحقاقات أُمَّة، ومفخرة وطن، تضحيات جليلة، مآثر ومواقف، إنجازات عظيمة سجَّلها التَّاريخ الخالد المخضَّب بدماء الشُّهداء العظام في ذاكرة الوطن الماجد، وفرصة لالتقاط الأنفاس والدُّعاء لشهداء الوطن وما قدَّموه من تضحيات جسيمة فداء لوطنهم وولاء لسُلطانهم، لِيبقَى هذا التَّاريخ في عظَمتِه وإنسانيَّته ووطنيَّته خيوطًا ممتدَّة وجسورًا ممتدَّة؛ تجسِّد معاني الفخر والاعتزاز والعزيمة والإرادة وحُب عُمان وجلالة السُّلطان، لِتبقَى حاضرة في نفوس الأجيال، محطَّة تَعُودُ بهم إلى أبناء عُمان المغاوير الَّذين قدَّموا أنْفُسَهم فداء للوطن والسُّلطان، فتحرَّر الوطن على أيديهم من أنجاس الشيوعيَّة الحاقدة وتطهَّرت أرض ظفار العصماء من رجسِ الفِتنة، ليظلَّ يوم النَّصر تاريخًا ماجدًا في أُمَّة، ونقطة تحوُّل في مسار النَّهضة، لا يتقادم مهما تسارعتِ السّنون وتعاقبتِ الأجيال؛ فإنَّ ما حملَه هذا اليوم المَجيد في رصيد الأُمَّة العُمانيَّة من مفاخر وعزَّة وكرامة ونصر، وما أثبتَه في قاموس نهضتها المُتجدِّدة ومفرداتها الأصيلة من معالِم الوحدة والتَّكاتف والتَّعاون والمسؤوليَّة، شواهد إثبات رسمَتْ للعُمانيِّين مَسيرة التَّنمية وأنتجتْ روح التَّغيير الَّتي مضتْ شاقَّة طريقها للمستقبل شامخةً عزيزة في وَجْه التَّحدِّيات، لِتُجسِّدَ قوَّات السُّلطان المُسلَّحة بكُلِّ تشكيلاتها ووحداتها، حاملةً أمانة الدِّفاع عن أرض عُمان، وحماية مقدَّسات الوطن وترابه الطَّاهر لتسطِّرَ وعلى مدى خمسة عُقودٍ ونيف نماذج رائعة في الوفاء للوطن وبناء الإنسان والمشاركة الفاعلة في التَّنمية المستدامة، يَد تَبني ويَد تحمل السِّلاح، «فكُلُّ يَد تَبني عُمان، لها منَّا كُلُّ التقدير والامتنان».
لقد شكَّل هذا اليوم العظيم في موازين النَّهضة العُمانيَّة في مختلف حِقبها ومراحلها، محطَّة تحوُّل في مَسيرة البناء والتَّنمية، نهجًا عظيمًا، ومدخلًا كريمًا، ومنطلقًا حدَّد تفاصيل المستقبل، فكان في مضمار العطاء خير شاهد، وفي محطَّات الإنجاز أصدَق دليل، نهضة مُتجدِّدة وعطاء يتدفق خيرًا لهذا الوطن الغالي، يسمو بالإنسان في سماوات الكرامة، وينطلق بتراثه الماجد وحضارته العريقة ليرسمَ للعالَم طريق القوَّة في ظلال الأمن والسَّلام، ويؤسِّس صورة الوطن العظيم الَّذي تتكامل فيه كُلُّ التَّفاصيل لِتتَّجهَ بإرادة قويَّة وعزيمة نافذة نَحْوَ تحقيق أحلامه وآماله وطموحاته، إنَّه لُغة جامعة حمل في طيَّاته مفهوم الوطن عُمان في شموليَّته وعُمقه واتِّساعه وشموخه وسموقه ونهضته وتقدُّمه، واضعًا نهج العسكريَّة العُمانيَّة في خصوصيَّتها ومبادئها وأخلاقها وسِمَتها ومفرداتها الطَّريق لصناعة الإنسان الَّذي يحمل هذا الرَّصيد العظيم في كُلِّ مواقع العمل والمسؤوليَّة، مُحققًا بكُلِّ صدق ومسؤوليَّة والتزام حسَّ المواطنة المسؤوليَّة وسُلوك المواطن المُلهِم، القائم على حماية هذا الوطن العزيز، والذَّود عن حياضه، والدِّفاع عن مكتسباته، والسَّاعي بكُلِّ ما يمتلكه من قدرات واستعدادات في ترسيخ مبادئ الوطن وتعظيم ثوابته، دفاعًا عن الأرض وصونًا للكرامة وحماية للمقدَّسات الوطنيَّة، فانتصرت في أبناء عُمان مَسيرة العطاء وروح المسؤوليَّة وأبجديَّات النَّهضة والثَّوابت الوطنيَّة الرَّاعية لهذا الرَّصيد الإنساني العظيم واستحقاقاته في يوم النَّصر بما أسَّسه في أبناء عُمان الأشاوس وشهدائها الأبرار ورجالاتها العظماء وجنودها المغاوير من ملحمةٍ بطوليَّة سجَّل التَّاريخ وقائعها بأحرُفٍ من نُور، ونسج خيوطها المُلهِمة بكُلِّ صدقٍ وثبات لِتصلَ إلى أجيال عُمان الحاضر والمستقبل في أصدَق صورة، وأعظم موقف، وأنبل تضحية، وأسمى هدف.
ومع تعاقُب الأعوام ظلَّت قوَّات السُّلطان المُسلَّحة حاضرة بقوَّة في خلدِ كُلِّ عُماني عايَش أحداث النَّهضة، استشعارًا وتعظيمًا وإجلالًا للدَّوْر البطولي الَّذي قدَّمته قوَّات السُّلطان المُسلَّحة بتشكيلاتها المختلفة من أجْلِ الوطن والإنسان، في كُلِّ قِطاعات التَّنمية وبرامجها المختلفة، وما أتاحته من فرصٍ لِتَحقيقِ أعلى مستويات النَّجاح والتميُّز في مشاركاتها وإسهاماتها في بناء عُمان الدَّولة والإنسان، فلقد أدركتْ أنَّ مسؤوليَّتها في حماية مقدَّسات الوطن وترابه الطَّاهر يعني إسهامها في فتحِ مسارات أعمقَ للتَّنمية وترسيخ بيئة الأمن والأمان والاستقرار؛ وأدَّت تشكيلاتها ووحداتها المختلفة أدوارًا اجتماعيَّة وبيئيَّة وتنظيميَّة وتنمويَّة مختلفة تجاوزت حدود الكمِّ وتعدَّت أبجديَّات الإحصاء وحساباته لِتقفَ على التَّطوير من أوسع أبوابه في أُسُس رصينة قائمة على الابتكار في الأداء والعطاء الممتدِّ لِتَحقيقِ أهداف النَّهضة المُتجدِّدة الَّتي جعلتْ أولويَّتها سعادة المواطن العُماني وتعزيز مكانته في العالَم، فإنَّها في الوقتِ ذاته أدركتْ أنَّ نجاح خطط التَّطوير والتَّنمية الوطنيَّة يرتبط بمفهومٍ ريادي للعطاء في استدامته وبُعده الإنساني والحضاري، لذلك كانت رؤيتها قائمة على استدامة هذا العطاء وامتداد خيوطه في إطار تكامل المسؤوليَّة نَحْوَ ترقية الأداء الوطني، وهي بكُلِّ خطواتها جسَّدت روح الانتماء في تفانيها وإخلاصها لله والوطن والسُّلطان.
وتأكيدًا لِدَوْر قوَّات السُّلطان المُسلَّحة في تحقيق مستهدفات رؤية «عُمان 2040»، فقد عملتْ على المساهمة الفاعلة في تحقيق أبجديَّات الرُّؤية وتعظيم حضورها في منظومة العمل العسكري، واضعةً الأبعاد الأمنيَّة في النِّظام الأساسي للدَّولة مرتكزها في صناعة التحوُّل، وإنتاج المورد البَشَري الكفء القادر على إثبات بصمة حضور له في ميدان المنافسة الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة وغيرها، بما انعكس على حضورها في كُلِّ أولويَّات الرُّؤية ومستهدفات الخطط الخمسيَّة، وترسيخ مسارات العمل المشترك مع القِطاعات العسكريَّة والأمنيَّة والمَدَنيَّة الأخرى بإسهاماتها الواعدة في كُلِّ منجز تنموي، وحضورها المستمرّ مع كُلِّ مطلب إنساني، وحشدتْ جهودها المؤسَّسيَّة والمعلوماتيَّة والهندسيَّة والخبراتيَّة واللوجستيَّة والاستطلاعيَّة، في إمداد أبناء المناطق البعيدة بكُلِّ ما يحتاجونه من مُؤنٍ وأغذية ومستلزمات طبيَّة وصحيَّة، داعمة للمواطن، آخذة بِيَدِه، مُوصلة إِلَيْه احتياجاته، مُسعفة لضروراته، قائمة على شؤونه، شاقَّةً له طريق وصوله للمدرسة والمستشفى، ناقلةً له مؤونته وغذاءه في أعالي الجبال، وفي بطون الأودية، فقامتْ على أيديها نهضة التَّنمية وسخَّرت طاقاتها وإمكاناتها في كُلِّ ما من شأنه تحقيق سعادة العُماني، مادَّةً جسور التَّواصُل مع المواطن وربطه بجهود التَّنمية، وتعزيز حضوره في أجندة الوطن اليوميَّة، وهي في كُلِّ ذلك تعكس مدلولات استثنائيَّة في العمل المشترك تتجلَّى فيه قِيَم المنافسة والجودة والاستدامة، لِمَا لذلك أثَره على أداء الجنديَّة العُمانيَّة في كفاءتها وانضباطها وحضورها الاجتماعي في حياة المُجتمع وجهود التَّنمية والتَّطوير فيه، وما أكسَبه ذلك من التَّقدير الاجتماعي والاحترام لهذه الجهود؛ فإنَّ ملامح هذا العطاء يُسطِّر في دُرر حروفه ومنطق كلِمه معانيَ الشَّراكة والوحدة والتَّعاون والإنجاز والممارسة على أرض الواقع، والاقتراب من المواطن والالتصاق به وتلمُّس احتياجاته، فقد وضعتْ نَفْسَها في موقع الجاهزيَّة وتلبية النِّداء الوطني في كُلِّ الأحوال، وسطَّرتْ جهودها في الحالات الطَّارئة والدَّور الاستراتيجي الَّذي انتهجته في لجان الإغاثة والإخلاء والإيواء نموذجًا للعطاء المستمرِّ والأداء الوطني المسؤول.
ويبقى الاحتفال بيوم القوَّات المُسلَّحة ملحمةَ عطاء، واستراحة محارب لقراءة منجز الوطن الخالد، يُسطِّر في حروفه معانيَ العزم والإنجاز، بصمة وفاء وولاء لن يخفتَ بريقها ولن يذهبَ أثَرها ولن يضيعَ مَدَدها، ستبقى في ذاكرة الوطن الخالد روحًا تنبض، وحياة تعطي ونهجًا يَسمو، ونورًا يسطع، ومنجزًا يعلو، وفكرًا يبني، وإرادة تنجز، وشغفًا يستنهض، وقِيَمًا تستنطق، وصبرًا وإخلاصًا يدفع أبناء عُمان لمزيدٍ من العمل الجادِّ والإخلاص المُبهر، محطَّات ظلَّتْ حاضنة أبناء عُمان وبناتها بفضل الله عزَّ وجلَّ وإيمانهم الصَّادق بوطنهم وولائهم لجلالة السُّلطان ـ القائد الأعلى ـ الَّذي عزَّز فيهم مبادئ الإيمان والثِّقة والعزيمة والصُّمود، مثمِّنًا دومًا عطاءهم الماجد مؤكِّدًا على رعايته لهم، واهتمامه بهم، وقد جاء في عاطر نُطق جلالته السَّامي «نوَدُّ أن نسجلَ بكُلِّ فخر واعتزاز كلمة ثناء وعرفان لجميع العاملين بقوَّاتنا المُسلَّحة الباسلة في القِطاعات العسكريَّة والأمنيَّة، القائمين على حماية هذا الوطن العزيز، والذَّود عن حياضه، والدِّفاع عن مكتسباته، مؤكِّدين على رعايتنا لهم، واهتمامنا بهم؛ لِتبقَى هذه القِطاعات الحصن الحصين، والدِّرع المكين في الذَّود عن كُلِّ شِبر من تراب الوطن العزيز من أقصاه إلى أقصاه».
د.رجب بن علي العويسي