الجمعة 20 يونيو 2025 م - 24 ذو الحجة 1446 هـ
أخبار عاجلة

الديمقراطية الشعبية الكاملة العملية : نافذة على مجتمع متناغم وحوكمة فعالة

الديمقراطية الشعبية الكاملة العملية : نافذة على مجتمع متناغم وحوكمة فعالة
الأحد - 01 ديسمبر 2024 03:16 م

ليانج سوو لي

تُعَدُّ الديمقراطيَّة حجَر الزَّاويَّة المُهمَّ للحضارة السياسيَّة البَشَريَّة، فهي دائمًا ما تكُونُ محور اهتمام الشُّعوب ومناقشتهم في جميع الدّوَل. وفي الصين، يتطوَّر شكلٌ فريد من أشكال الديمقراطيَّة ويبرهن على قِيمته الخاصَّة، وهي الديمقراطيَّة الشَّعبيَّة الكاملة العمليَّة. لا يوفِّر هذا النَّمط المُبتَكر حلولًا فعَّالة للحوكمة المحليَّة في الصين فحسب، بل يُقدِّم أيضًا منظورًا جديدًا للممارسات الديمقراطيَّة العالَميَّة.

ويتمثل الفَرق الكبير بَيْنَ الديمقراطيَّة الشَّعبيَّة الكاملة العمليَّة والديمقراطيَّة التَّقليديَّة في أنَّها لا تُركِّز فقط على مرحلة الانتخاب، بل على مشاركة الشَّعب طوال دَوْرة حياة السِّياسة بأكملها. ففي كُلِّ مرحلة، من صياغة السِّياسات وتنفيذها إلى مراقبتها وتقييم ردِّ فِعلها، تضْمَن هذه الديمقراطيَّة سماع أصوات الشَّعب والتَّصرُّف على أساسها. هذه الممارسة تتجنَّب الظَّاهرة الشَّائعة المتمثلة في «الحماس أثناء الانتخابات والرُّكود بعدها» في بعض الدّوَل الغربيَّة، ممَّا يجعل الديمقراطيَّة ليسَتْ مجرَّد رمز، بل أداة للتَّشغيل العملي.

جوهر هذا النَّمط هو «التَّمحور حَوْلَ الشَّعب». فهي لا تمنح الشَّعب الحقَّ في المعرفة والمُشاركة والرَّقابة فحسب، بل تحمي هذه الحقوق من التعدِّي عَلَيْها من خلال القانون. وتُعَدُّ «نقاط الاتِّصال التَّشريعيَّة الشَّعبيَّة» الَّتي أنشأتْها اللَّجنة الدَّائمة للمجلس الوطني لنوَّاب الشَّعب الصيني مثالًا حيًّا على ذلك في الممارسة العمليَّة. وتغطِّي نقاط الاتِّصال هذه المُجمَّعات السَّكنيَّة والقرى في جميع أنحاء البلاد، وتسمح للشَّعب بتقديم اقتراحات مُحدَّدة بشأن مشاريع القوانين.

وبأخذ صياغة القانون المَدَني لجمهوريَّة الصين الشَّعبيَّة كمثال، فإنَّ الآراء الَّتي جمعتها نقاط الاتِّصال التَّشريعيَّة على المستوى القاعدي أثَّرتْ بشكلٍ مباشِر على تنقيح القانون، ممَّا جعلَ هذا القانون المرتبط بشكلٍ وثيقٍ بحياة الشَّعب أكثر ارتباطًا بالاحتياجات الفعليَّة. لا يتكيَّف هذا التَّصميم المؤسَّسي مع الظُّروف الوطنيَّة للصين فحسب، بل إنَّه يُوفِّر أيضًا مرجعًا مُهمًّا لاستكشافِ طريقةٍ أكثر كفاءة وعدالة للحوكمة الاجتماعيَّة.

تُظهر الديمقراطيَّة الشَّعبيَّة الكاملة العمليَّة تأثيرًا ملحوظًا في تعزيز تنفيذ السِّياسات وتحسين معيشة الشَّعب. ويُعَدُّ تذليلُ المشاكل المستعصية للقضاءِ على الفقرِ مثالًا حيًّا على ذلك. على مدى العقود القليلة الماضية، انتشلتِ الصين (770) مليون فقير ريفي من الفقر من خلال تنفيذ التَّدابير الدَّقيقة والهادفة لمساعدةِ الفقراء، وهو إنجاز لم يكُنْ من الممكن تحقيقه بِدُونِ الممارسة الملموسة للديمقراطيَّة الشَّعبيَّة الكاملة العمليَّة.

ولْنأخُذْ سياسة «أمناء لجنة الحزب المقيمون في القرى» كمثالٍ على ذلك، حيث تُقيم الكوادر في القرى مناقشة تدابير التَّخفيف من حدَّة الفقر مع القرويِّين، ممَّا يضْمَن أن تكُونَ كُلُّ سياسةٍ قريبة من الاحتياجات الفعليَّة. على سبيل المثال، في إحدى القرى النَّائيَّة في مقاطعة يونان بجنوب غرب الصين، طرح القرويون الحاجة المُلحَّة لبناء الطُّرق من خلال مجلس القرويِّين، وسرعان ما نقلتِ الكوادر المُقيمة في القرية هذا الاقتراح إلى إدارات أعلى، ممَّا سهَّل في نهاية المطاف إدراج مشاريع بناء الطُّرق في برنامج التَّخفيف من حدَّة الفقر. هذه الآليَّة التَّفاعليَّة ثنائيَّة الاتِّجاه للمشاركة المباشرة من قِبل القرويِّين والاستجابة السَّريعة من قِبل الكوادر لم تسرِّعْ تنفيذ سياسات التَّخفيف من حدَّة الفقر فحسب، بل عزَّزت أيضًا دعم الشَّعبِ لهَا وثقتَهم فيها.

كما تؤدِّي الديمقراطيَّة الشَّعبيَّة الكاملة العمليَّة دَوْرًا مُهمًّا في تعزيز التَّناغم الاجتماعي. عِندَما تُسمع أصوات الشَّعب بشكلٍ حقيقي وتُستجاب بشكلٍ فعَّال، فإنَّ ذلك يؤدِّي بالطَّبع إلى تقليل التَّوتُّرات والصِّراعات الاجتماعيَّة.

على سبيل المثال، أُنشئَت «محطَّات الاتِّصال لنوَّاب الشَّعب» في أنحاء البلاد، ممَّا يُتيح للشَّعب التَّفاعل المباشر مع نوَّاب الشَّعب والتَّعبير عن آرائهم ومطالِبهم. في مقاطعة تشجيانج، قام أحَد نوَّاب الشَّعب بجمعِ اقتراحات السكَّان بشأن تجديد المُجمَّعات السكنيَّة القديمة من خلال محطَّة الاتِّصال ودفع الحكومة إلى تركيب المصاعد الإضافيَّة وتوسيع مواقف السيَّارات. هذه الآليَّة لا تمنح الشَّعب إحساسًا أكبر بالمشاركة فحسب، بل تُعزِّز أيضًا الثِّقة بَيْنَ الحكومة والشَّعب، ممَّا يُعزِّز العدالة والاستقرار الاجتماعي.

وفيما يتعلَّق بتحسين كفاءة الحوكمة، فإنَّ أداء الديمقراطيَّة الشَّعبيَّة الكاملة العمليَّة لافتٌ للنَّظر أيضًا. فمن خلال عمليَّة صنع القرار الديمقراطي، تستطيع الحكومة صياغة سياسات أكثر علميَّة وعمليَّة، وفي حين أنَّ المشاركة الشَّعبيَّة الواسعة تُعزِّز شفافيَّة تنفيذ السِّياسات ومصداقيَّتها.

على سبيل المثال، تُعَدُّ سياسة «رؤساء الأنهار والبحيرات» ممارسة نموذجيَّة في مجال إدارة البيئة، حيث تَقُومُ الحكومات المحليَّة بتعيين أشخاص مختصِّين كرؤساء للأنهار والبحيرات مسؤولين عن إدارة الأنهار والبحيرات وحمايتها، مع تشجيع المشاركة الشَّعبيَّة في الرَّقابة. وفي إحدى المناطق في مقاطعة جيانجسو، قدَّم السكَّان اقتراحات لمكافحة تلوُّث المجاري المائيَّة من خلال التَّشاور الديمقراطي، بما في ذلك إنشاء نقاط لجمعِ القمامة وتركيب معدَّات مراقبة النَّهر. وقد تمَّ تنفيذ التَّدابير بسرعة، ممَّا أدَّى إلى تحسين جودة المياه وتعزيز ثقة الشَّعب في جهود الإدارة. يعكس هذا النَّمط المزايا الفريدة للديمقراطيَّة الشَّعبيَّة الكاملة العمليَّة في الحوكمة الفعَّالة.

وقد أضفى تطوُّر التكنولوجيا حيويَّة جديدة على الديمقراطيَّة الشَّعبيَّة الكاملة العلميَّة. وقد أدَّى انتشار المنصَّات الرَّقميَّة والحكومة الإلكترونيَّة إلى تسهيل مشاركة الشَّعب. فمِن جمْعِ الآراء عَبْرَ الهواتف المحمولة إلى جلسات الاستماع السياسيَّة عبر البث المباشر، تقرب التكنولوجيا المسافة بَيْنَ الحكومة والشَّعب. هذا النَّوْع من المشاركة الديمقراطيَّة الرَّقميَّة لا يُحسِّن من كفاءة صنع السِياسات فحسب، بل يمنح المزيد من النَّاس فرصة المشاركة في الحوكمة الوطنيَّة، ممَّا يوفِّر المزيد من إمكانات الابتكار في النَّماذج الديمقراطيَّة الحديثة.

إنَّ الديمقراطيَّة الشَّعبيَّة الكاملة العلميَّة ليسَتْ مجرَّد نَمطِ حوكمة مبتكر فحسب، بل هي أيضًا إعادة تفسير لجوهر الديمقراطيَّة. إنَّ ممارستها في الصين تُظهر أنَّ الديمقراطيَّة قادرة على تحقيق التَّقدُّم الاجتماعي والحوكمة الفعَّالة من خلال الجمع بَيْنَ المشاركة الواسعة والنَّتائج الملموسة. في ظلِّ التَّحديات المُعقَّدة الَّتي تواجهها الحوكمة العالَميَّة اليوم، يوفِّر هذا النَّمط مرجعًا جديدًا للمُجتمع الدّولي. إنَّه يُخبرنا أنَّ جوهرَ الديمقراطيَّة يكمن في مدَى استجابتها الفعليَّة لاحتياجات الشَّعب، وليس فقط في وجودها الشَّكلي.

وبالنِّسبة للدّوَل الأخرى، لا تكمن أهميَّة ديمقراطيَّة الشَّعب الكاملة العمليَّة في تصميمها المؤسَّسي فحسب، بل أيضًا في المفهوم الَّذي تحمله، وهو أنَّ الديمقراطيَّة لا تُركِّز فقط على منحِ الحقوق، بل أيضًا على تطبيقِها. وبَيْنَما تستكشف دوَل العالَم طُرقها الخاصَّة للحوكمة، توفِّر الممارسة الصينيَّة نافذة مرجعيَّة توضح مسارًا محتملًا لِتَحقيقِ التَّناغم الاجتماعي والحوكمة الفعَّالة من خلال المشاركة الشَّعبيَّة.

ليانج سوو لي

إعلامية صينية