الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سمّاه الإمام الغزالي (القطب الأعظم في الدين)، لأنه (المهم الذي ابتعث الله له النبيين أجمعين، ولو طوي بساطه وأهمل علمه وعمله لتعطلت النبوة واضمحلت الديانة وعمت الفترة، وفشت الضلالة وشاعت الجهالة، واستشرى الفساد، واتسع الخرق، وخربت البلاد، وهلك العباد، ولم يشعروا بالهلاك إلا يوم التناد) (إحياء علوم الدين)، جاءت (13) آية في القرآن الكريم تتحدث عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صراحة ومعنى.. دليل على أهميته، ومن ضمنها وصية لقمان الحكيم لابنه:(يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ).
إنّ شرعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أوجبت بالكتاب العزيز والسنة النبوية قولًا وفعلًا، مما يعزز سماحة الدين الإسلامي، وأنص لا إكراه فيه، ولا جبر ولا قوة، فهو دين انتشر بنعومة الوعظ والإرشاد لا بحد الشيف.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اصطلاحًا: ساق الجرجاني الكثير من التعريفات في التعريفات تتلخص في: دلالة الناس وإرشادهم على الخير ولصلاح والعفة لما وافق الكتاب والسنة لما يرضي الله، وتقبيح ما خالف ذلك من شر في قول وعمل مناف للشريعة يفضي إلى غضب الله.
لذا عليه يكون (الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر المعروف هوَ ما وافقَ الشريعة الإسلاميّة من أمور الدين والدنيا، وما تعارفَ عليهِ الناس من أمور الخير، فالإسلام حينما جاء أقرّ الناس على ما عندهُم من الخير، وتمم مكارمَ الأخلاق التي كانوا عليها، كما يعني المعروف إنكار المُنكر الذي فيهِ معصيةٌ لله عزّ وجلّ، وفيه خدشٌ لحياء المُجتمع، وخُروجٌ على قيمه ومبادئه القويمة التي تتوافق والدّين).
وقد اتفق العلماء أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على كل مسلم عاقل بالغ، من الأمر من قوله تعالى:(وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران ـ 104)، لكنهم اختلفوا هل هو واجب عيني أم كفائي.
فقيل هو واجب على الكفاية إن قام به بعض سقط عن الباقين، وذلك من تأويلهم للفظة (من) من قوله:(منكم) أنها للبعضية، وعليه إن تركه الكل أثم ممن تمكن منه بلا عذر ولا خوف، وأولها آخرون أنها للبيان، فلا يعذر أحد ما دام أنه مستطيع.
ويعزز ذلك أمر النبي (عليه الصلاة والسلام) فيما رواه أبو سعيد الخدري: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول:(من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) وعن نعمان بن بشير عن النبى (صلى الله عليه وسلم) قال:(مثل القائم فى حدد الله والواقع فيها، كمثل قوم اسهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، فكان الذين فى أسفلها إذا استقوا من الماء مروّا على من فوقهم، فقالوا نرى أن نخرق فى نصيبنا خرقًا فلا نؤدى من فوقها، فإن تركوهم وما ارادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا جميعًا).
وقيل هو فرض عين، ومن الأدلة على هذا قوله تعالى:(وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)، حيث إن وجه الدلالة هو أن مِنْ هنا بيانية فتكون دلالتها تشمل الأمة جميعًا، ويستدلون أيضًا بالحديث الشريف: (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَقُولُ: مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ)، وهذا الحديث يدل على عموم وجوب الاحتساب على كل أحد لا يخرج منه أي مسلم.
وجاء قول ثالث يجمع أصحاب بين الفريقين السابقين بحيث يعتقدون أنه فرض عين إذا اتفقنا إن الأنكار يتم بجميع صورة ومنها الإنكار بالقلب كل بحسب قدرته واستطاعته كما جاء في الحديث الشريف السابق والذي يستشهد به الفريق الثاني أيضًا، كما يمكن قبول رأي الفريق الثاني إذا ما اعتبرنا أن هناك أناس لا يستطيعون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالعمل أو بالقول، كما أنه لا يمكن تفريغ جميع الناس للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تفريغًا تامًّا بحيث تتعطل مصالح المسلمين عامة نتيجة لذلك.
وقال أبو بكر الصديق ـ رضى الله عنه: أيها الناس أنكم تقرأون هذه الآية:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذّا اهْتَدَيْتُم)، وإنى سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول:(إنّ الناس اذا رأوا ظالما فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه اذا قدروا أن يغيروا ولم يغيروا)، وقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(من رأى منكم منكرًا واستطاع أن يغير بيده فليغيره بيده، وان لم يستطع فبلسانه، وان لم يستطع فبقلبه).
وتشمل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المسلم وغير المسلم، لقوله (صلى الله عليه وسلم): (إن الناس إذا رأوا ظالمًا فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه اذا قدروا أن يغيروا ولم يغيروا)، ولفظة الناس عامة، قال القطب:(ويجب الأمر والنهى لأهل ديننا وللمشركين، لأنهم مخاطبون بفروع الشريعة كأصولها) (هيميان الزاد، للقطب).
كما لا يختص الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمورد من الموارد، ولا مجال من المجالات، بل هو شامل لجميع ما جاء به الاسلام من مفاهيم وقيم، فهو شامل للتصورات والمبادئ التي تقوم على أساسها العقيدة الإسلامية، وشامل للموازين والقيم الاِسلامية التي تحكم العلاقات الإنسانية، وشامل للشرائع والقوانين، وللأوضاع والتقاليد، وبعبارة اُخرى هو دعوة إلى الاسلام عقيدة ومنهجًا وسلوكًا، بتحويل الشعور الباطني بالعقيدة إلى حركة سلوكية واقعية، وتحويل هذه الحركة إلى عادة ثابتة متفاعلة ومتصلة مع الأوامر والإرشادات الاِسلامية، ومنكمشة ومنفصلة عن مقتضيات النواهي الاِسلامية.
سامي السيابي
كاتب عماني
(فريق ولاية بدبد الخيري)