الجمعة 27 ديسمبر 2024 م - 25 جمادى الآخرة 1446 هـ

الأسد الضواري فـي معركة ذات الصواري «1»

الأربعاء - 27 نوفمبر 2024 04:26 م
10

أيها الأحبة الأكارم.. إننا أحيانًا نشعر بإحباط مما نراه، من انكسار أو هزيمة للمسلمين في بلاد معينة، وقد ينعكس ذلك سلبًا على الكثير منا، وهذا ما دفعني لأن أعرض عليكم هذه الصورة المشرفة لمعركة من المعارك الإسلامية التاريخية، التي ترفع من معنوياتنا وتزيد الثقة في وعد ربنا، وتقوي إيماننا وتمكن لليقين في قلوبنا.

فما أحوجنا إلى القراءة في تاريخنا المشرف والذي أضاءت في كثير من صفحاته شموسا نيرات، وبدورا مزهرة، تعطينا دفعة قوية لليقين، وتجمعنا حول العقيدة والدين، وترفع من معنوياتنا حتى حين، وتقوي عزائمنا حتى لا تلين، (فإن الباحث في تاريخنا الإسلامي لن يجد أية صعوبة في إصدار حكمه القاطع بأن ما حققه الجيش الإِسلامي الصغير من انتصارات بصموده ذلك الذي بلغ ما يقرب الإِعجاز، إنما كان يرجع إلى عامل واحد، هو عامل العقيدة، فعقيدة الإِسلام التي رسخت في قلب كل جندي من جنود ذلك الجيش المسلم الصغير، والتي كانت الإِيجابية الرئيسية لرسوخ هذه العقيدة هو حرص كل واحد من هؤلاء الجنود على الموت في سبيل الله أكثر من حرصه على الحياة، هذه الإِيجابية الرائعة التي عبّر عنها أصدق تعبير قائد في هذه معركة من تلك المعارك التاريخية الخالدة، وهي غزوة مؤتة، حيث قال: “والله يا قوم إن التي تكرهون لهي التي خرجتم تطلبون الشهادة، فانطلقوا بنا إلى عدوّنا فإنما هي إحدى الحسنيين إما ظهور وإما شهادة”، إذن فالعامل الرئيس في الانتصارات الرائعة التي حققها المسلمون إنما هو العقيدة الإِسلامية الراسخة، التي أبطلت فعاليتها العظيمة عامل التفوق المادي والعلمي الساحق لدى الجيش الروماني، وجعلت هذا التفوق في ميزان النتائج يبدو وكأنه صفر من اليسار في علم الحساب، ومن هتا فعامل العقيدة الإِسلامية الصادقة وتغلغلها ورسوخها في نفس المحارب المسلم العامل الرئيس الأوّل في إبطال عامل التفوق المادي الساحق الذي يواجهه المحارب المسلم في العهود التي كانت عزة الإِسلام فيها هي السائدة الغالبة المنتصرة، بل لقد كان المحاربون المسلمون دائمًا في تلك العهود يتفوق عليهم أعداؤهم في العدد والعدة وكل مستلزمات النصر المادية والفنية، ولكن النصر الساحق دائمًا يكون للمسلمين على أعدائهم في كل تلك المعارك، وهذه حقيقة واقعة ناصعة شهدت بها معارك كثيرة منها “ بدر وأحد والأحزاب وخيبر وحنين”، وبعدهم “اليمامة وبزاخة، واليرموك والقادسية ونهاوند وجبل الطارق وزلاقة.. وغيرها، فالانتصارات العظيمة في تلك المعارك الحاسمة وأمثالها، والتي مكنت الإِسلام وجعلت المسلمين في فترة من الزمن أعز أمة على وجه الأرض، لم يكن العامل في تحقيقها عامل التفوق المادي بكثرة العدد والعُدد، ولا عامل التفوق التكنولوجي بإجادة العلوم والفنون العسكرية، كلا ـ وإن كان جانب مطلوب قطعاـ فعامل التفوق في كل هذه الأمور المادية والعلمية والفنية هو في جانب أعداء الإِسلام، وإنما العامل الرئيسى والأول في تحقيقها هو عقيدة الإِسلام المكينة الصادقة الراسخة، التي بصلابتها ورسوخها في القلوب المؤمنة، غيَّر المسلمون خلال تسعين سنة مجرى التاريخ كله، إذ طوى خلالها جند الإِسلام على قلتهم وكثرة أعدائهم بساط ثلاث إمبراطوريات كانت جميعها تتنازع سيادة العالم كله) (موسوعة الغزوات الكبرى 7/‏ 253).

ومن هذه المعارك المشرفة معركة قوية فاصلة إنها معركة (ذات الصواري)، والتي كانت في زمن الخليفة عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه، (وأفضل ما حدث وما كتبه التاريخ وسطره بماء الذهب لـسيدنا عثمان بن عفان أنه أنشأ أسطولًا بحريًا قويًّا للأمة الإسلامية، ففي عصره أنشأ أسطولًا بحريًا يقاتلون به، والمعركة التي دارت في البحر هي أشهر المعارك في العالم وهي ذات الصواري فقد كانت بين المسلمين وبين الروم، حتى أن المسلمين تشاوروا معهم أن يجعلوا المعركة على ظهر الأرض فأبوا فذهب المسلمون فربطوا سفنهم بسفن الروم ثم تجالدوا بالسيوف حتى أثخنوا قسطنطين قائد الروم بالجراح وفر، ونصر الله المسلمين) (موسوعة الغزوات الكبرى ـ مرجع سابق 7/‏ 255). (وقد اشتهرت هذه الموقعة باسم “ذات الصواري” بالصاد، أو “ذات السواري” بالسين، وقيل إنّها سمّيت كذلك لكثرة صواري السفن التي ظهرت فيها وهي الأدقال) (التنبيه والإشراف، للمسعوديّ - ص 135).. والتتمة تأتي إن شاء الله.

محمود عدلي الشريف

 [email protected]