الخميس 12 ديسمبر 2024 م - 10 جمادى الآخرة 1446 هـ
أخبار عاجلة

جباليا باليرموك .. واليرموك فـي جباليا

جباليا باليرموك .. واليرموك فـي جباليا
الأربعاء - 27 نوفمبر 2024 03:38 م

علي بدوان

20

في بدايات هزيع الانتفاضة الكُبرى الأولى نهاية 1987 كان مُخيَّم جباليا، وشهداءه عنوان الشَّرارة الَّتي انطلقتْ وقلبتِ الطَّاولة رأسًا على عقب في وَجْهِ الاحتلال.

كان، وسيبقَى اِسْمُه حاضرًا في ذاكرة شَعبِه، حاتم السيسي الشَّهيد الأوَّل، والأصغر سنًّا (16 عامًا) في الانتفاضة الأولى، وتَبِعه الشَّهيد طالب أبو زيد (46 عامًا) من مُخيَّم المغازي، والشَّهيد عصام حمودة (29 عامًا) من جباليا البلد، والشَّهيد شعبان نبهان (26 عامًا) من جباليا البلد، والشَّهيد علي إسماعيل (25 عامًا) من مُخيَّم المغازي. لِتتدحرجَ الأمور نَحْوَ مُخيَّم بلاطة قرب نابلس، وما أدراك ما مُخيَّم بلاطة، مُخيَّم اليافاويِّين على عهدِ ووعدِ وقَسَمِ العودة. كانتْ جباليا البلد، ومُخيَّمها الشَّرارات الأولى لانتفاضةٍ تميَّزَت في مساراتها فأعادتْ خلْطَ الأوراق، واستحضرتِ العالَم كُلَّه إلى فلسطين، بعد أن كانتْ عِندَ الكثيرينَ نسيًا منسيًّا. في مُخيَّم جباليا، انطلقتْ رياح الثَّورة المُتجدِّدة، لا (كرياحٍ) فقط تهبُّ هُنَا وهناك، بل لمعانٌ ووميضٌ يتلألأ ويُبشِّر الفجر الآتي، وتشِعُّ من جديد كأنَّها كوكب دُريٌ يوقدُ من شجرةٍ مباركة، بعد مِحنة حصار بيروت صيف العام 1982، وما تلاها من انشقاقٍ داخلي بعد عامٍ مِنْها، كان لا مبرِّرَ له على الإطلاق، فكان باهظَ الكلفةِ. مُخيَّم جباليا ومواطنوه لا يركع، ومعاقبة الصَّامدِين الباقِين على أرضه لا تُجدي. في ذلك، وفي حرب الإبادة، وفي شاهدٍ صارخ، تجاوزتْ تلك الحرب إبادات شُعوبٍ بأكملِها في القارَّة الأميركيَّة ونيوزيلندا وأستراليا، تمَّ منع تلقيح عدَّة آلافٍ من الأطفال ما زالوا بحاجةٍ لهذا المَدَد الطبِّي واللّقاح الرُّباعي. في مُخيَّم جباليا، حصلَ وما يحصلُ هو (إبادة فوقَ إبادة) أمام العالَم بأسْرِه في ظلِّ سياسة التَّوَحُّش المُغطاة «إسرائيليًّا» من قِبل قوَّة متنفِّذة في العالَم، وقد جَعَلَتْ من نتنياهو وكأنَّه لا يرى أحَدًا على سطحِ المعمورةِ كُلِّها، سوى شخصِه وكيانه الكولونيالي الاستعماري الإجلائي التَّهويدي. الحرب على مُخيَّم جباليا، تتعدَّد في وجوهها القبيحة والمنحطة والَّتي تمسُّ إنسانيَّة البَشَر، فالاحتلال منعَ دخول حتَّى مُقوِّمات الحياة من غذاءٍ وماءٍ ودواء لمُخيَّم جباليا منذُ أسبوعَيْنِ تقريبًا. وذلك بفرضِ حصارٍ وإنهاك النَّاس من الجوع والعطش لدفعِهم لرفعِ راية الاستسلام. إنَّها حرب دُونَ أخلاقٍ ولو بحدودها الدُّنيا، تُشَنُّ على شَعبٍ يُقاتِل ويُقاوِم بجسدِه العاري وسلاحٍ متواضع حال توافره. وبالتَّالي إنَّ ما يجري ضدَّ مُخيَّم جباليا جريمة ضدَّ الإنسانيَّة جمعاء بشهادة العالَم ومؤسَّساته الَّتي وزِّعت عشرات التَّقارير والمعلومات والبيانات المُوثّقة بشأن ما يجري في القِطاع وعلى الأخصِّ بالنِّسبة لمُخيَّم جباليا. مُخيَّم جباليا، أكبر مُخيَّمات القِطاع ازدحامًا باللَّاجئِين الفلسطينيِّين من أبناء اللّد والرَّملة ويافا وقراها والَّذين تمَّ تهجيرهم عام النَّكبة 1948 من مُدُنهم وقراهم، لكن أعْيُنهم وأبصارهم ستبقَى مشدودةً لوطنِهم التَّاريخي حتَّى لو أطبقتْ كُلُّ قوى الظَّلام والفاشيَّة على القِطاع.

حال مُخيَّم جباليا، وإن كان هذه المرَّة يَمُرُّ بوضعٍ أقسَى من حال مُخيَّمات الشَّعب الفلسطيني في عموم فلسطين ودوَل الطَّوق (الشَّتات)، إلَّا أنَّ الجُرحَ الفلسطيني الواحد يجعلُ من الجميع في بوتقةٍ واحدة، من مُخيَّمات شمال الضفَّة الغربيَّة في جنين ونور شمس وطولكرم إلى كُلِّ مُخيَّمات الضفَّة الغربيَّة الَّتي تتعرَّض يوميًّا لنيرانِ الاحتلال وتُقدِّم الشُّهداء بسخاءٍ منقطع النَّظير.

علي بدوان

كاتب فلسطيني

عضو اتحاد الكتاب العرب

دمشق ـ اليرموك

[email protected]