حُبُّ الوطن هو الحُبُّ الَّذي يتميَّز بالإخلاص والوفاء، وهو الحُبُّ الدَّائم الَّذي لا نهاية له.
الوطن.. ليس مجرَّد أرض نُقيم عَلَيْها ولا جنسيَّة نضعُها في بطاقة أو جواز سفر. ولكنَّ الوطنَ هو شعور داخلي يحتلُّ كُلَّ خليَّة من جسدِك.. شعور يجعلُ من المستحيل على أيِّ شخصٍ أن يتخلَّى عن وطنِه أو يَنساهُ أو يَنسلخُ مِنْه.
في هذه المقالة الوطنيَّة البسيطة أتطرَّق لبعضِ الأُمور وهي مقارنتنا بالآخرين.. لاحظتُ منذُ فترةٍ وجيزةٍ بعض النَّاس هُنَا في عُمان يمتدحون سُوق الأسماك في بعض الدوَل المجاورة، وآخرين يمتدحون بحيرة قوارب صناعيَّة.. وأخذَتْ هذه المقارنة تتَّجه في منحنى سلبي وإساءة لبلدِنا وللحكومة: لماذا سُوقهم كذا وسُوقنا هكذا؟ ولماذا سُوقهم فيه زجاج مُلوَّن ونحن زجاج عادي؟ ولماذا ما عِندنا بُحيرة قوارب مِثل الجيران؟ ولماذا ولماذا..إلخ من هذه النَّظرة السّلبيَّة والمتشائمة.. وهو في النِّهاية سُوق سَمَكٍ لا أكثر يبيعُ سَهْوة وجيذر وشِعري، وبُحيرة مصنوعة من مياهِ سدٍّ ووضعوا بها عددًا من القوارب.
إخواني الأعزاء.. لماذا نقارن أنْفُسَنا بالآخرين؟ هل من المُجدي أن تقارنَ نَفْسَك بالآخرين؟ لماذا تفعل ذلك؟ ألَا تَعْلَمُ أنَّ هذا يُسبِّبُ انزعاجًا نَفْسيًّا لكَ وللآخرين ولوطنِكَ. لماذا يا جماعة الخير هذا التَّخاذل لوطنِكُم ولحكومتِكُم وتبحرون في عالَم الأوهام؟ لماذا هذه الانفعالات الثَّائرة لبلدِكُم؟ ألَا تُقيمونَ للعقلِ والمنطقِ مكانًا بَيْنَ مشاعرِكُم المُخلِصة السَّخيَّة؟!
أخي العزيز.. لماذا تُفكِّر في أشخاصٍ آخرين وما لدَيْهم وما يملكونه وأنتَ لا تملكُه..؟ ألَا يتوجَّب التَّفكير في ذلك؟
ألَا تَعْلَمُ أنَّ الوطنَ هو كُلُّ ذكرياتِ طفولتِك وشبابِك، وهو أوَّل يوم مدرسي لَك ويوم تخرُّجك، وأوَّل حُبٍّ تمرُّ به؟ ألَا تَعْلَمُ أنَّ الوطنَ هو رائحةُ الطَّعامِ، وشكْلُ الشَّوارع، وابتسامةُ الرِّضا على وجُوهِ النَّاس وأهلِك..؟ أنَسِيتَ ذلك بمجرَّد رأيتَ سُوقَ سَمَكٍ في مكانٍ ما؟!
ألَا تَعْلَمُ أخي العزيز أنَّ الوطنَ هو ذلك الفرحُ الَّذي يُحرِّك أعماقَك إنْ شعرتَ بأنَّك تُحقِّقُ شيئًا ما يفخرُ به أهْلُك ومعارفُك وأصحابُك؟! أنَسِيتَ ذلك بمجرَّد رأيتَ سُوقَ سَمَكٍ في مكانٍ ما؟
أنَسِيتَ مسقط ونزوى وصحار وصور وظفار..؟ أنَسِيتَ عَيْنَ الكسفة وعَيْنَ الثوَّارة وعَيْنَ أرزات..؟ أنَسِيتَ سدَّ ضيقة ووادي بني خروص ووادي بني عوف..؟ أنَسِيتَ عُمانَ قلاعَها وحصونَها وأبراجَها...إلخ؟ أنَسِيتَ ذلك بمجرَّد رأيتَ سُوقَ سَمَكٍ في مكانٍ ما؟
ألَا تشعُر بالقَرَفِ عِندما تُقارنُ نَفْسَك بالآخرين؟ ألَا تشعُر بتَعاستِك عِندما تتهجَّم على بلدِك وعراقتِها وأنَّها كانتْ يومًا من الأيَّام إمبراطوريَّة؟ أيْنَ كرامتُك وعراقتُك؟ أيْنَ أخلاقُك الوطنيَّة الَّتي تربَّيْت عَلَيْها؟ أنَسِيتَها بمجرَّد رؤيتِك لِسُوقِ سَمَكٍ في بلدٍ ما؟
أخي العزيز.. التَّقليل من أهميَّة مُنجزات الوطن فساد، والنَّقد المستمرُّ لكُلِّ شيء فساد.. عَلَيْك أن تكُونَ كلمةَ خيرٍ وحقٍّ لخدمةِ الوطن، وإن لم تستطعْ ذلك فَعَلَيْك بالصَّمْتِ.
حكومتُنا السَّابقة بقيادة السَّلطان قابوس ـ طيَّب الله ثراه ـ حقَّقتْ مكاسبَ وإنجازاتٍ كبيرةً وضخمةً ولافتة بكُلِّ المقاييس.. وحكومتُنا الحاليَّة بقيادة جلالة السُّلطان هيثم بن طارق ـ حفظه الله ورعاه ـ تكملُ المَسِيرَ وهو يدفعُها للأمام في خدمةِ الوطنِ والمواطن. إخواني.. أقولُها وبكُلِّ صراحةٍ إنَّ حكومتَنا الرَّشيدة هي تسعَى لخدمةِ الوطنِ والمواطن بدرجةٍ قويَّةٍ وفعَّالة وإلى أبعدِ الحدودِ، وهي تسعَى جاهدةً نَحْوَ التَّقدُّم والتَّطوُّر والتَّعلُّم من أجْلِ رفعةِ البلدِ وتَقدُّمِه. حُبُّ الوطنِ ليس تعبيراتٍ رمزيَّةً لحظيَّة، أو شعاراتٍ وصوَرًا وأعلامًا تبرزُ في يومٍ من أيَّام السَّنة، أو في الإجازة الرَّسميَّة، أو برنامجًا إذاعيًّا، أو في الواتساب وبعض التَّواصُل الاجتماعي، بل هو ثَوْرةٌ ذاتيَّة مُلتهبة في داخلِك في نَفْسك.. تصدُر من عُمقِ الأرض ورحِمها فترسلُ النُّورَ إلى القلبِ، فتُحرِّك حرارةَ الأعضاءِ بأكملها.. تلك هي الوطنيَّة والوطن، وليس ما إن سَمِعنا افتتاحَ سُوقِ سَمَكٍ أو مُجمَّع تجاري في بلدٍ ما حتَّى تتمَّ مقارنته بما لدَيْنا.. ونَنْسَى بلدَنا، وننزلق في حساسيَّة التَّعبير ونُسيءُ لِمَكنُوناتِنا.
محمد الكندي
كاتب عماني