الإنسان يحتاج أحيانًا إلى صدمة.. صدمة قويَّة وليس مصيبة.. صدمة كالَّتي يقوم بها الطبيب لإنعاش قلب مريض.. صدمة تهدم كُلَّ تلك الحوائط البالية.. وتُعِيد تدفُّق الدَّم في شرايينه.. صدمة تختارها أنتَ بنَفْسِك.
أنتَ تقول: (أنا لستُ حزينًا لكنَّني لا أستطيع الشعور بالفرح!)
هذا أوَّل شعور ستشعر به.. شعور انطفاء الروح.. لستَ حزينًا لكنَّك لستَ سعيدًا، ولا نستطيع القول إنَّك ما بَيْنَ وبَيْنَ.. لأنَّك لا تشعر بأيِّ شيء على الإطلاق.. هكذا يبدأ الأمْرُ.
أنا أقول لك: يا صاحبي.. اليوم كالأمس والليلة الَّتي سبقتها كما الشهر الَّذي مضى ولا ندري هل ستبقى سنواتنا المقبلة هكذا..؟!
لَمْ نعُدْ قادرين على جمع فتات أنْفُسنا، ولَمْ نعُدْ ننتظر المواعيد بلهفة، وما عُدنا نبكي بتلك الحرقة.. الشَّغف ينطفئ.. والحُبُّ يذبل.. والرَّغبة تذهب.. والحماس يمضي.. والتركيز يمضي.. والخوف ساكن.
لكن ما الَّذي يسرق هذا الَّذي أجمل ما في شعورنا؟ وباحثين عن طوق نجاة كمَن يحارب لِيلتقطَ أنفاسه الأخيرة لعلَّه ينجو.. إنَّه انطفاء الروح في أبداننا ونفاد طاقاتنا.
إنَّها حربُك يا صاحبي.. أنتَ فيها القائد والجندي، وأنتَ العدوُّ في نَفْسِك، فارفع راية الاستسلام بكُلِّ سلام.
يا صاحبي.. هل سبَق ومرَّت بِكَ تلك الحالة أن تفقدَ شهيَّتك لكُلِّ شيء.. للعمل.. للراحة.. للعائلة.. للترحال.. للنَّوم.. لليقظة.. لِنَفْسِك.. لكُلِّ ما حَوْلَك ومَن حَوْلَك.. لا طاقة لك.. ولا همَّ.. ولا لذَّة.. تعيش الروتين.. تؤدِّي واجباتك بتثاقل شديد.. لا يحرِّكك إلَّا التزامات مُجبر عَلَيْها.. تستيقظ بصعوبة.. وتنام بقلق.. تندهش عِندما ترى بعضهم يضحك وسعيدًا.. تسأل نَفْسَك: كيف يفعلون ذلك؟ إذًا هذا دليل انطفاء الروح بداخلك، وحلَّ الظلام على البَدن وفارقته أنواره مِثل انقطاع الكهرباء من بيتك وحلَّ به الظلام.
ألَمْ تتفكرْ أو تستشعرْ يا صاحبي يومًا أنَّ روحك انطفأت وأصبحت لا تشعر.. ولَمْ تعُدْ تهتمُّ لأيِّ شيء وأنتَ واقف تنتظر متى ينتهي ذاك الشعور.. أو أن تنتهيَ أنتَ وتغادرَ من الدُّنيا.. ألَمْ تقفْ أمام المرآة وترى نَفْسَك وتقول: ماذا أصابني؟ لماذا كبرت قَبل أواني؟ أين ضحكتي وبريق عَيْني الَّذي كان يعطيني الأمل في الحياة؟
إذًا أنتَ أخي العزيز في أزمة حقيقيَّة، أزمة ما بعدها أزمة، بل هي أُمُّ الأزمات.. وإدارة الأزمات فنٌّ لا يُتقنه الكثير مِنَّا، فكيف ستُدير أمْرَك وأنتَ لا تعرف روحك.. كجارٍ قديم لك.. تعرف اسمه وشكْلَه، لكن هذا لا يعني أنَّك تعرفه حقَّ المعرفة.
رسالتي لك...
أوَّلًا: قُمْ بعمل جديد لَمْ تقُمْ بِه من قَبل.. ابدأ بتجربة جديدة، شيء تخوضه لأوَّل مرَّة في حياتك.. لا يُمكِن أن يمضيَ عمرك وأنتَ تفعل الأشياء نَفْسَها كُلَّ يوم.. انتبِه.. سنوات تمضي من عمرك وأنتَ تؤدِّي الأمْرَ نَفْسَه.. واحْذَر أن يمرَّ بِكَ العمر دُونَ أن تعرفَ مَن هو بداخل روحك مَن لا يفارقك أبدًا.
ثانيًا: ابحثْ عن نَفْسِك الحقيقيَّة تحت هذا الركام... الَّذي فرضته الحياة اليوميَّة عَلَيْك... حطِّم القيود الَّتي فرضْتها على نَفْسِك ولو مؤقتًا... جرِّب الخروج عن المألوف.. ليس بالضرورة أن تبقى محتفظًا بصورة الرجُل الجادِّ الحكيم المتَّزن.. اضحَكْ أو ابْكِ بالطريقة الَّتي تحلو لك.
المُصلِّي عادةً يلجأ إلى تغيير أدعيته وتغيير الآيات الَّتي اعتاد تلاوتها حتَّى يخرجَ من هذا الروتين.. فيزدادَ تركيزه وتأمُّله وتصبحَ للعبادة روح جديدة.
ثالثًا: السَّفر هو الوصفة (الروشتة) الَّتي أصفُها لكُلِّ مَن يسألني دواء.. السَّفر إلى بلدٍ آخر.. أو حتَّى إلى مدينة أخرى.. أو ربَّما حيّ آخر.
رابعًا: عِش العزلة لفترة مؤقَّتة.. عزلة غير تلك الَّتي تفرضها كورونا.. عزلة بمعنى الانقطاع تمامًا لفترة عن أيِّ شكلٍ من التواصل مع النَّاس.. تبقى وحْدَك مع نَفْسِك.. هل يُمكِن أن ينقضيَ العمر وأنتَ لَمْ تنفردْ بنَفْسِك؟ أمعقولٌ أنَّك تفرغ وقتًا للآخرين ولا تمنح نَفْسَك بعض الوقت؟ لماذا لا تُحْيي شغفك من جديد.. تلك الأحلام الَّتي واجهتها الظروف.. هي لَمْ تمُتْ يا صاحبي.. هي موجودة هناك تحت الركام.. تنتظر أن تنقذَها.. أن تزيلَه عَنْها.. دعْها تنهض من جديد.. ابحثْ عن طاقة نُور في أيِّ مكان، انظُرْ إلى الأشياء كأنَّك تراها لأوَّل مرَّة.
خامسًا: ابتعد عن تكديس الآلام وعدم البوح بها.. فهي الشرارة الأولى الَّتي تُسهم في انطفاء روحك.. اعْطِ لِنَفْسِك الأولويَّة في كُلِّ شيء.. فلِنَفْسِك عَلَيْك حقٌّ.. أو ربَّما أنتَ في حاجة إلى حُبٍّ.. حُبٍّ يعصفُ بِكَ.. يقلبُ كيانَك.. ويخرجُك ممَّا أنتَ فيه.
سادسًا: حاوِلْ تسمع بعض الأغاني القديمة الَّتي بها ذكرياتك الجميلة، استمعْ لفيروز وعبدالحليم وأبو بكر سالم..إلخ، وستجد روحَك استيقظتْ ونهضتْ وأشرقتْ من جديد..
خاتمتي ونصيحتي بسيطة يا صديقي يا مَن تقرأ هذه التدوينة.. إيَّاك أن تستسلمَ.. لا تسمحْ أن تغيِّرَ حياتك لجحيمٍ يفقدُك نَفْسَك وإشراقتك وتصبح تَدُور في فَلكِها.. تذكَّر دائمًا أنَّ قوانين الحياة مليئة بالمواقف والأشخاص.. وطالما نحن على قَيْدِ الحياة.. سنمرُّ بتجارب متنوِّعة، فاجعلها فرصة لِتعلِّمَك وتقوِّيَك لِتقابلَ الحياة بكُلِّ قوَّة.
اعْتَنِ برُوحِك يا صاحبي كما تعتني بنَفْسِك.. كما تعتني بصحَّتِك.. كما تعتني بمَظْهرِك.. الفارق أنَّ هذه كُلَّها ستزولُ وستبقى روحُك.
محمد الكندي
كاتب عُماني