.. وهي توحيد (الربوبية) لله تعالى وحده، وتوحيد (الألوهية)، وتوحيد (أسماء الله تعالى، وصفاته)، كما أنها سُمِّيَتِ الاخلاصَ لأنها خالصة لله تعالى وحده، حيث لم تتحدث السورة إلا عن الله سبحانه وتعالى، من أولها إلى آخرها، ووقفتْنا على كلِّ عظمته، وجلاله، وكماله. ولها عشرون اسمًا، وتلك الأسماء هي:(التنزيل، والتجريد، والتوحيد، والنجاة، والولاية، والجَمَال، والمعرفة، والمُقَشْقِشَة، والمُعَوِّذَة، والصَّمَد، والنِّسْبَة، والأساس، والمانعة، والمُحْضِر، والمُنَفِّرَة، والبراءة، والمُذَكِّرَة، والنور، والإنسان)، وإنَّ سبب نزول السورة أنّها جاءتْ إجابةً على سؤال المشركين للرسول (صلى الله عليه وسلم) عن نسب الله عزّ وجلّ ومَنْ خَلَقه، فأنزل اللهُ تعالى: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)، وورد العديدُ من تفسير هذه السورة، سورة الإخلاص، وفوائدها، الأمر الذي يدلُّ على أهمية هذه السورة في الإسلام، وقد اشتملَتْ سورةُ الإخلاص على العديد من الفضائل، ومنها ما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنّه قال:(احشدوا، فإني سأقرأ عليكم ثلثَ القرآن، فَحَشَدَ مَنْ حَشْدٍ، فخرج رسولُ الله (صلَّى الله عليه وسلم)، فقرأ:(قل هو الله أحد)، ثم دخَل، فقال بعضنا لبعض:(إني أرى هذا خبرا جاءه من السماء، فذاك الذي أدخله، ثم خرج، فقال: إني قلت لكم، إني سأقرأ عليكم ثلث القرآن، ألا إنها تعدل ثلث القرآن).
قد تكرر في هذه السورة حرف اللام اثنتي عشرة مرة، واللام ـ كما هو معروف ـ تخرج من جوانب الفم، أي: أنها تعترفُ، وتُقِرُّ بكامل أفواهِها بصفات الله الكاملة بكل عظمتها، وجلالها فالله واحد، والله أحد، لا يتجزأ، وفردٌ، صَمَدٌ، لا يحتاج إلى أحد، وجميع الخلق يفتقرون إليه في كلِّ لحظة في حَيَوَاتهم، لم يلدْ أحدًا، ولم يُولَدْ من أحد، بل خلق الحياةَ نفسَها، وكلَّ الأحياء، والمواليدَ، وليس له من شبيهٍ، ولا كُفْءٍ، ولا نظيرٍ، بل لا تدركه الأبصارُ، وهو يدرك الأبصارَ، وهو اللطيف الخبير، وتُوقِنُ بأن القارئ يمتلئ بها صدره، وعقله، وكيانه، وحسه، وروحه، ولسانه، وجنانه، وأن كلَّ جزءٍ فيه يُذْعِنُ لربه بها، ويوقنُ بكله، وجزئه، وفرعه، وأصله، وظاهره، وباطنه بكل ما فيها من جلائل الصفات، وكرائم الخِصال، وعظيم النُّعوت؛ ومن ثَمَّ كانتْ تعدلُ ثلثَ القرآن الكريم، بمعنى أنَّ قراءتها ثلاثَ مراتٍ تَعْنِي أنه قرأ القرآن الكريم كلَّه؛ لكونها تتضمنُ صفاتِ الله عزَّ وجل، وبها كلُّ ما لم نكنْ نعرفُه عن ربِّنا سبحانه، فجاءت اللاماتُ المتعددةُ مقرةً بذلك، معترفةً به، من أول لفظة فيها حتى آخر كلمةٍ منها، كلُّها إقرارٌ بكامل الفم، وبكلِّ اعترافٍ من داخلِ الجوفِ حتى الشفتين، إنه كمالُ إخباتٍ، وتمامُ خشوع، وجليلُ خضوعٍ، وصادق دموعٍ؛ ومن ثم استحقتْ أن يصفَها الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) بأنها تعدل ثلث الكتاب الكريم، في قوله الشريف الذي روي عن: عن أبي الدرداء ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال:(أيعجز أحدكم أن يقرأ في ليلة ثلث القرآن؟، قالوا: وكيف يقرأ ثلث القرآن؟، قال: قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن)، وعن أبي سعيد الخدري ـ رضيَ الله عنه:(أن رجلًا سمع رجلا يقرأُ: «قل هو الله أحد» يردِّدها، فلما أصبح جاء إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فذكر ذلك له، وكأنَّ الرجل يتقالُّها، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه، وسلم: «والذي نفسي بيدِه إنها لتعدل ثلث القرآن). هكذا بَدَتِ تلك الآياتُ الكريمات من سورة الإخلاص كاشفةً، بِصَوْتِ حرفها (اللام)، وكيفيةِ خروجِه ممتلئا به الفم، واللسان والجوف والجنان، عن خطير معانيها، وجليل دلالاتها، وكبير أهدافها، ومقاصدها، وراقي معانيها، ومراميها؛ ومن ثم، فلا نزال نؤكد، ونواصل التأكيد، ونلحُّ على أنه يجب على القارئَ للكتاب الكريم أنْ يقفَ على معاني تلك الحروفِ، ويتعمق فيها، ويقرأ في دلالاتها، وفي سياقاتها، ويتأملَ في سببِ إيرادِها في تلك الدلالاتِ بعينها، وهذه المَقَامَاتِ بذاتها، وهاتيك السياقات نفسها؛ ليدركَ عظمةَ هذا الكتاب الكريم، وأنَّ كلَّ ما فيه، حتى حروف كلماته التي تشكِّل، وتَبْنِي ألفاظه، إنما هي ـ في الأخير ـ أمرٌ معجِزٌ، وأنه تظهر أنه كلامُ اللهِ، ربِّ العالمين. نَعَمْ، إِنَّ القرآنَ الكريم معجزٌ في كله: في حروفه، وفي كلماته، وفي عباراته، وفي جمله، وإنه معجِزٌ كذلك في أساليبه، وفي كلِّ تراكيبه، ومن هنا كانت عظمته، وأعاجيبه، ونواصل الحديثَ عن نماذج أخرى لصوت اللام، أو لصوت آخر، وما يُحدِثه من جمالٍ، وجلالٍ، وما يؤدِّيه من كمال في هذه المعاني الإيمانية، وتلك الدلالات القرآنية، والحمد لله، ربِّ العالمين، وصلى الله، وسلم، وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين.
د. جمال عبد العزيز أحمد
كلية دار العلوم ـ جامعة القاهرة بجمهورية مصر العربية.