مهما كان الخلاف مع سياسات الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة، ومهما زادتِ الهوَّة، خصوصًا بعد موقفها من الحرب الأخيرة على غزَّة، لا نستطيع إنكار أنَّها الدَّولة العظمى الأكبر في عالَمنا المعاصر، وصاحبة أكبر تأثير (سواء كان سلبيًّا أو إيجابيًّا) على مقدّرات منطقتنا، الَّتي تأتي دومًا في قلبِ مجموعة من المصالح الأميركيَّة، الَّتي يكُونُ بعضها ثابتًا والآخر متغيرًا. لذا فمن الطَّبيعي أن يتابعَ المواطن العربي قَبل الحكومات، ساكن البيت الأبيض الجديد، حيث شئنا أم أبَيْنَا سيكُونُ لرؤيته وسياسته تأثير كبير عَلَيْنا، خصوصًا وأنَّ السَّاكن الجديد دونالد ترامب، له مواقف مناصرة للكيان الصهيوني لم يسبقْه إِلَيْها رئيس أميركي سابق، في ولايته الأولى، فيكفي أنَّه وافقَ على أن تكُونَ القدس عاصمةً للكيان الصهيوني، واعترفَ بسيادته على الجولان العربي السوري المُحتلِّ.
الغريب أنَّ نجاحَ ترامب هذه المرَّة جاء بظهير شَعبي، على عكس سوابقه حيث كانت كُلٌّ من هيلاري كلينتون وجو بايدن على التَّوالي هُما صاحبا الأصوات الأعلى، حتَّى وإن تفوقَ ترامب على هيلاري كلينتون في أصوات المُجمَّع الانتخابي، وكان تفوُّقه ضدَّ هاريس الَّتي لم تستطعِ الخروج والتنصُّل من موبقات بايدن الخارجيَّة والداخليَّة، واستطاعتْ أن تغتنمَ حالة انهيار استراتيجيَّة ترامب الانتخابيَّة بعد خروج بايدن من السِّباق (الاستراتيجيَّة الَّتي كانتْ تركِّز على سنِّ ووعيِ بايدن)، فكانتِ النَّتيجة والانهيار الديمقراطي، الَّتي نراه أيضًا في الانتخابات التَّكميليَّة في النوَّاب والكونجرس، فقد تخلَّى بايدن في سياسته الخارجيَّة خصوصًا، عن مجموعات انتخابيَّة، كان خوفها من الجمهوريِّين وترامب تحديدًا، يجعل مِنْها مناصرًا للمُرَشَّح الديمقراطي، مِثل فئة الشَّباب والفئات المُلوَّنة، وأخيرًا مُسلِمِي أميركا.
نَعم، استطاعَ ترامب استمالةَ مُسلِمِي أميركا، وحصدَ بفضلهم، وفق العديد من الإحصائيَّات، العديد من الولايات الـ(7) المتأرجِحَة، خصوصًا ولاية ميشيجان، واستطاعت لقاءاته مع القيادات العربيَّة والإسلاميَّة ووعوده الَّتي أطلقَها استمالتهم، خصوصًا عِندما أكَّد أنَّه يبني أكبر وأوسع تحالف في التَّاريخ السِّياسي الأميركي، يشمل أعدادًا كبيرة من النَّاخِبِينَ العرب والمُسلِمِين الَّذين يريدون السَّلام، مشيرًا إلى أنَّهم (أي العرب والمُسلِمون) يعرفون أنَّ كامالا وحكومتها المُحرِّضة على الحرب ستغزو الشَّرق الأوسط، وستتسبَّب في مقتل ملايين المُسلِمِين، وفي إطلاق الحرب العالَميَّة الثَّالثة. ويبدو أنَّ كثيرًا من قيادات الجالية المُسلِمة والعربيَّة اقتنعوا بطرح ترامب، وتخلَّوا عن المُرَشَّح الديمقراطي للمرَّة الأولى في التَّاريخ، وأعلنَ الكثير مِنْهم دعمَه لترامب.
ويبقَى هُنَا أن نتساءلَ عن التزام ترامب بوعوده، وإنهاء العدوان على غزَّة فَور توَلِّيه، خصوصًا بعد أن خذلَتْه الجالية اليهوديَّة في أميركا وكان تصويتها لصالحِ هاريس، بحسب ما أكَّدت صحيفة هآرتس الصهيونيَّة، وسيُجيب الزَّمن على تساؤل مُهمٍّ حَوْلَ: هل كان تأييد ترامب هو الخيار الأفضل للعرب والمُسلِمِين الَّذين شعروا بالخيانة والخذلان من موقف بايدن، وانجرَّ هذا الشُّعور على نائبته، الَّتي مضَتْ في طريق دعم الصَّهاينة؟ حيث اتَّفقت (16) منظَّمة عربيَّة وإسلاميَّة على الالتزام بعدم التَّصويتِ لهاريس لمعاقبتها على دَوْرها وإدارة بايدن في دعمِ حرب الإبادة على غزَّة، ثمَّ تحوَّل الموقف مع وعودِ ترامب نَحْوَ المُرَشَّح الجمهوري، فهل يلتزم ترامب بما تعهَّد به؟ الإجابة ستكُونُ في مواقفِه الأولى فَور قسَمِ اليمين.
إبراهيم بدوي