الخميس 12 ديسمبر 2024 م - 10 جمادى الآخرة 1446 هـ
أخبار عاجلة

ميادين الحكمة «1» الدعوة بالحكمة

الأربعاء - 06 نوفمبر 2024 05:23 م
10

جاءت سورة النحل آمرة الدعاة إلى الله باتخاذ الحكمة صرحًا لدعوتهم والحسنى في وعظهم:(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل ـ 125).

الدعوة صنعة الأنبياء والرسل، قال الله تعالى لسان أحد أنبيائه:(وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ، تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ) (غافر 41 ـ 42).

الدعوة هي (دعوة الناس إلى الإسلام بالقول والعمل) (تفسير الطبري)، ويخرج من جلبابها شقان: دعوة عامة يدعى بها الفاسق للاستقامة، وتذكير العوام بالتقوى، من خلال خطب ومحاضرات، وندوات ولقاءات.. وغيرها، ودعوة خاصة وهي المدرسة والتعليم، والمعلم والمنهج، وتأهيل الدعاة والخطباء والمعلمين، ليربوا أجيالًا تلو أخرى تخرج منها قيادات متتابعة كل جيل يحمل رايتها ليسلمها للجيل المتعاقب، حتى تتكون مجتمعات صحابية مدينة بالحق.

فلا بد أن تكون ميادين الدعوة شاملة، كما كان يدعو الرسول (صلى الله عليه وسلم)، فتشمل المسلم وغير المسلم، وتعم الرجال والنساء، والعالم والعام، والمسود والسيد، والحاكم والمحكوم، وهكذا كانت منهجية جابر بن زيد (رضي الله عنه)، فقد دعا حكام بني أمية وولاتها وناظرهم بأحد تلاميذه الحكماء عبدالله بن إباض، وكان اختياره عن حكمة إذ من رهط الأحنف بن قيس، وكانوا له حصنًا ونصرًا، وشمل الإمام جابر بدعوته عامة الناس بإقامة أول جلسات إفتاء في البصرة، وربّى طلابًا نجباء حملوا الرسالة معه وبعده، ومنهم أبو عبيدة التميمي وضمام بن السائب وأبو نوح الدهان، كما اعتنى بالنساء ووظفهن في دعوته، ومنهن المهلبيات، ونشر دعاته بعد تأهيلهم في الأمصار، ومتابعة سيرهم الدعوي، حتى بلغ ظهورها في عهد أوفى تلامذته، هو أبو عبيدة التميمي الذي طورها بإقامة مجالس على مستويات، ليقودوا أتباعهم في مختلف الأمصار والبلدان الإسلامية، ففتحوا شمال إفريقيا إلى السودان، وفتحوا اليمن وحضرموت، وعمان وخرسان، وآسيا.. وغيرها ـ رضي الله عنهم.

إذ لا يصح تجاوز أدبيات هذه المهنة النبوية لتعطى لغير أهلها، فالإمام داعية والواعظ داعية والمعلم داعية، والمسؤول داعية والموظف داعية والضابط داعية والطبيب داعية والمهند والمحامي والمهني داعية لله، وإن لم يحملوا صفاة الداعية الحكيم فالأفضل تنحيهم، وصفات الداعية الحكيم هي: الاستقامة والوعظ بالموازنة بين الترغيب والترهيب، والقدرة على الحوار والجدال والمناظرة وإقامة الحجة، والقدوة الحسنة اتصافًا وتطبيقًا، والعلم الكافي، واستخدام العلم ونظرياته واكتشافاته، وشعلة الشباب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهدوء الشيوخ، واستخدام الإعلام، والتأليف الاجتماعي والتآلف والإصلاح، والتأليف العلمي والمقالات، والخطب والمحاضرات، ودروس المساجد والتجمعات، والخروج للشباب، ومشاركة المؤسسات، وتزكية النفس، ومزاولة أعمال البر وإعانة المحتاج، وإغاثة الضعيف والمظلوم، والدهاء الاجتماعي، والرصد الدائم للظواهر الاجتماعية، والقراءة الدائمة العميقة لسيرة النبي، ودعوة الأنبياء في القرآن الكريم، والتجديد الدعوي الدائم، ومراقبة النتائج من المتلقين، وتحليلها وتصحيح المسار وتعزيز الاقتدار.. وهكذا.

سامي السيابي

 كاتب عماني

(فريق ولاية بدبد الخيري)