تؤكِّد دَولة الاحتلال الصهيوني يومًا بعدَ يومٍ أنَّها فوقَ القانون الدّولي، فلم تكتفِ بما ترتكبُه من حربِ إبادةٍ جماعيَّة وقتلٍ وإرهابٍ في الأراضي الفلسطينيَّة المُحتلَّة. لكنَّها تتمادَى في تقنين الإرهاب بتشريع قوانين تُخالِف القانون الدّولي، وضدَّ مواثيق الأُمم المُتَّحدة، وآخر هذا التَّمادي إقرار (الكنيست) قانونًا يحظر أنشطة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيِّين (الأونروا)، لِيكُونَ هذا القانون سيِّءَ السُّمعة بمثابة إعلانِ حربٍ على الوكالة، ومنعِها من القيام بمهامِّها، وتنصُّل من الالتزامات الدّوليَّة تجاهها، وهي التزاماتٌ يفرضُها الوضعُ القانوني على الكيان الصهيوني كدَولة احتلال، ما يعني ارتكاب دَولة الاحتلال والإرهاب جريمةَ حربٍ جديدة تنضمُّ إلى قائمةٍ كبيرة من الجرائم تُرتكب على مرأى ومسمع من العالَم أجمع.
ويُعَدُّ تنفيذ هذا القانون إرهابيًا بامتيازٍ؛ لأنَّه سوف يؤدِّي إلى انهيار منظومة الخدمات الصحيَّة والتَّعليميَّة والإغاثيَّة المُقدَّمة للاجئين، ما يعني مزيدًا من التَّجويع، الَّذي تَعَدُّه العهود والمواثيق الدّوليَّة جريمةَ حربٍ ضدَّ الإنسانيَّة، كما أنَّ هذا القانون الإرهابي يأتي بغير صِفَة. فدَولة الاحتلال ليس لها صلاحيَّات على المنظَّمة الدّوليَّة الَّتي تُعنَى باللَّاجئين الفلسطينيِّين، حيث إنَّ الوكالةَ تعمل بتفويضٍ من الأُمم المُتَّحدة يتمُّ تجديدُه كُلَّ (3) سنوات، ولن تأخذَ تفويضًا من دَولة الاحتلال؛ لأنَّ المنظَّمة ليسَتْ تابعةً لهَا ولا تعمل بأمْرٍ مِنْها، وهو ما يعني حتميَّة أنْ تستمرَّ الوكالة في عملِها، وعدم الاعتداد بالقانون الصهيوني الجديد. وهُنَا يَجِبُ على المُجتمع الدّولي الوقوفُ عِند مسؤوليَّاته، وحماية الوكالة باعتبارها منظَّمةً أمميَّة تعمل تحت مظلَّة الاتفاقيَّات والمعاهدات الدّوليَّة وبتصويتِ وإجماعِ الدوَل الأعضاء في الأُمم المُتَّحدة.
إنَّ هذا القانون الَّذي أقرَّتْه دَولة الاحتلال الصهيوني يتخطَّى البُعدَ الإنساني، ويعمل على تجويع أبناء فلسطين في كامل الأراضي الفلسطينيَّة، سواء في قِطاع غزَّة الَّذين تُشنُّ عَلَيْهم حربُ إبادةٍ جماعيَّة، أو في الضفَّة الغربيَّة والقدس اللَّتَيْنِ تشهدانِ إرهابًا مستمرًّا من قوَّات الاحتلال وقطعان المستعمِرِين؛ لِيستهدفَ توَجُّهًا سياسيًّا صهيونيًّا يسعَى إلى القضاءِ على حقِّ العودة للَّاجئين، وهو ما يستلزمُ ردًّا قويًّا يوقفُ دَولة الاحتلال الصهيوني عِند حدِّها، حتَّى وإن وصلَ الأمْرُ إلى طردِها من المنظَّمات الدّوليَّة بسبب انتهاكها التزاماتها الدّوليَّة بحظْرِها عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيِّين (الأونروا)، وعلى واشنطن، الحليف الرَّئيس والشَّريك لِدَولة الاحتلال المارقة، القيام بواجباتها؛ لكونها ـ كما تقول ـ راعيةً للسَّلام، بدلا من تشجيعها على مواصلة العبث والإرهاب والاستخفاف بالدم الفلسطيني والعربي.
إنَّ دَولة الاحتلال لدَيْها اعتقاد بأنَّه بتصفية الوكالة ستتمُّ تصفيةُ قضيَّة اللَّاجئين الفلسطينيِّين، وكذلك تصفيةُ الحلِّ السِّياسي وحلِّ الدَّولتَيْنِ. فـ(الأونروا) تُعَدُّ عنصر أمْنٍ واستقرار في المنطقة، وتعمل في خمس دوَل، وستتأثَّر المنظومة في حال عدم وجودها؛ لأنَّه لا بديلَ لها. لذا فإنَّ غياب الوكالة سيكُونُ له تأثير خطير في مفهوم الأمنِ والاستقرار الإقليمي المرتبط بالعمليَّات الإنسانيَّة الَّتي تَقُومُ بها. فالقانون الجديد يأتي ضِمْن سياسات دَولة الاحتلال الرَّامية للتَّطهير العِرقي ومحاولات إنهاء قضيَّة اللَّاجئين الفلسطينيِّين، ويكرِّس العنصريَّة ويعكسُ تطرُّفَ حكومة اليمين الصهيونيَّة الإرهابيَّة، ما يستلزمُ مواجهة هذا القانون الجديد بخطواتٍ قانونيَّة ودبلوماسيَّة، وبناء رأيٍ عامٍّ دولي انطلاقًا من الدوَل المُضيفة للَّاجئين؛ لحشدِ أوسع جبهةٍ دوليَّة وأُمميَّة ضاغطة لِمُحاسبةِ دَولة الاحتلال على إقرارها هذا القانون.