الأحد 20 أبريل 2025 م - 21 شوال 1446 هـ
أخبار عاجلة

حذار مهالك الحروب الدينية

حذار مهالك الحروب الدينية
الأربعاء - 30 أكتوبر 2024 03:54 م

أ.د. محمد الدعمي

20

على الرَّغم من أنَّ إقليمَنا (الشَّرق الأوسط) هو، تاريخيًّا، مصدر لأغْلبِ الأديان الحيَّة في العالَم الآن، ومن أهمِّها الأديان المنضوية تحت العنوان: «الأديان التَّوحيديَّة السَّامية» (اليهوديَّة والمسيحيَّة والإسلام)، فإنَّ إقليمَنا هذا، الَّذي اشتُهر تأريخيًّا بالتَّعايش السِّلمي وبالتَّسامح الدِّيني طوال الزَّمن، هو أكثر الأقاليم ترشحًا لاشتعال الحروب الدِّينيَّة، لبالغ الأسف !وهذه مفارقةٌ تستحقُّ الرَّصد، لا التندُّر!

ويبدو أنَّ قرونًا، بل وحِقب التَّعايش والتَّسامح الدِّيني، لم تتمكَّن من أن تُطفئَ نيران التَّنافس والضَّغائن والأحقاد، بغَضِّ النَّظر عمَّا قدَّمه «عقلاء القوم» في هذه الأديان من نماذج للمَحبَّة والتَّعاون والتَّسامح، إذ تجتمع الأديان المختلفة (السَّماويَّة المُنزلة وسواها) في إقليمٍ واحدٍ كالعراق (حيث تجدُ اليهودي جارًا للمُسلِم والمسيحي، واليزيدي، جارًا للصَّابئي المندائي، وهكذا) والجميع ذائبون في بوتقة الرُّوح الوطنيَّة العراقيَّة الَّتي انطلقتْ منذُ تأسيسِ المملكة العراقيَّة في بدايات القرن العشرين تحت ظلِّ التَّاج الهاشمي للمرحوم الملك فيصل الأوَّل الَّذي اشتكَى في رسائله ومذكّراته المُبكرة من صعوبة جمع الشَّتات الطَّائفي والدِّيني العراقي تحت مظلَّة الوطنيَّة العراقيَّة.

وبِغَضِّ النَّظر عمَّا تقدَّم فإنَّ تاريخ الشَّرق الأوسط عامَّة يؤشِّر إمكانيَّة تحريك وحثِّ الحروب الطَّائفيَّة والدِّينيَّة تأسيسًا على استغلالِ الجهلِ بَيْنَ العامَّة، واعتمادًا على تأجيج العواطف العدائيَّة في البلد الواحد، بل وحتَّى في القرية الواحدة، إنَّما هو ممكن، لسُوءِ الحظِّ.

والحقُّ يُقال، فإنَّ للمرءِ أن يلاحظَ بأنَّ الكيانَ الصهيوني يعمل جاهدًا على التَّفريق تأسيسًا على قاعدةٍ لا تقبلُ الخطأ، وهي قاعدة: فَرِّقْ تَسُدْ» Divide and Rule ويُمكِن ملاحظة هذا النَّوْع من العمل التَّخريبي في خِطابات هذا الكيان على نَحْوٍ متواصل، مُتَّخذًا من التَّاريخ والماضي محكّات ودلائل لِمَا يدَّعيه ويُغذِّيه من تحاملٍ وبغضاء، بالرَّغم من أجواء التَّسامح والاحترام المشترك الَّذي عاشَتْه الأقليَّات العبريَّة في الدوَل العربيَّة كالعراق وسوريا ومصر، من بَيْنِ سواها من الأقاليم والأقطار العربيَّة عَبْرَ التَّاريخ!

يبدو أنَّ السِّياسةَ هي الأداة الأقوى الَّتي تُخرِّب السَّلام الأهلي المُبتنى على التَّسامح والتَّعايش الدِّيني. لذا، يستغلُّ السِّياسيُّون ـ الَّذين يتغذَّون على سفكِ الدِّماء والاحتراب الطَّائفي ـ كُلَّ مناسَبةٍ وكُلَّ نقاشٍ وجدال ولبَثِّ سُموم أسباب الفُرقة والضَّغينة بَيْنَ أتباع الأقليَّات المختلفة والأديان والطَّوائف المُتنوِّعة، برغم ما تُقدِّمه هذه الأطياف لبُلدانِها من تنوُّع وتسامُح جميل أشْبَه ما يكُونُ «بباقة الزُّهور» الَّتي تجمع كافَّة الألوان والأطياف الاجتماعيَّة في حزمةٍ جماليَّة واحدة.

أ.د. محمد الدعمي

كاتب وباحث أكاديمي عراقي