السبت 17 مايو 2025 م - 19 ذو القعدة 1446 هـ
أخبار عاجلة

صدام الأمل والاختلالات فـي التنمية الحضرية

صدام الأمل والاختلالات فـي التنمية الحضرية
الأربعاء - 30 أكتوبر 2024 03:53 م

عادل سعد

10

لا خلافَ أنَّ التَّنمية العمرانيَّة ترتبط ارتباطًا مباشرًا بالتَّنمية البَشَريَّة المستدامة، إذ إنَّ ما يجمع الاثنين مقاربةٌ لا يُمكِن الشَّك بها لإنجاز رؤية واقعيَّة للتَّطبيقات الإنمائيَّة منذُ المؤشِّر التَّاريخي الَّذي اكتشفه بن خلدون في مُقدِّمته السسيولوجيَّة (الاجتماعيَّة) الشَّهيرة، وإذا كان الخراب قد خلَّف خصوماتٍ وحروبًا وغوغاء وكوارث طبيعيَّة ما زالتْ تضغطُ على السَّاحة الدّوليَّة، يظلُّ الطُّموح الحضري واحدًا من الآمال الكبيرة الَّتي تستمدُّ معناها من السَّلام والتطلُّع المرتبط بتحسين شروط الحياة الكريمة.

•الأصلُ الأحدثُ لهذا الموضوع يَعُودُ إلى عام 2001، عِندما بادرتِ الأُمم المُتَّحدة إلى عقْدِ منتدى عالَمي يضعُ على رأسِ أسبقيَّاته إنشاء منظومة تداوليَّة عالَميَّة تَقُومُ على تَبنِّي سياسات عمرانيَّة ترسمُ رؤيةً عادلةً للتَّوسُّع الحضري الكفيل بالحدِّ من تسلُّط الكُتل الإسمنتيَّة الجرداء، أي العمل ضِمْن سياقات العمران الأخضر المرشّد على أساس حماية المضامين الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والنَّفْسيَّة من التَّزاحم والفَوضى والاستياء.

•ومنذُ سنَة ذلك الاستحداث الدّولي تمَّ عقْدُ اثنَي عشر منتديًا كُلَّ سنتَيْنِ، وها هي المُنظَّمة الدّوليَّة تواصلُ المزيد من التَّعزيزات مع مصر لعَقدِ المنتدى الثَّاني عشر (WUF12) منتصف الأسبوع المقبل بحضور عددٍ من الزُّعماء والقادة ورؤساء حكومات ومنظَّمات دوليَّة معنيَّة بهذا الموضوع.

•سيشهد المنتدى (560) فعاليَّة ومعرضًا و(6) جلسات حواريَّة رفيعة المستوى، و(9) جلسات على مستوى الخبراء في الهندسة العمرانيَّة.

لا شكَّ أنَّ المنتدى مكرَّس أصلًا للتَّحدِّيات الَّتي تُواجِهها المستوطنات المَدَنيَّة البَشَريَّة بما يتعلَّق بالمُتغيِّرات السكَّانيَّة والكثافة المقبولة في المُدُن والزَّحف السكَّاني باتِّجاه الضَّواحي، وفرص العمل، وأهميَّة الارتفاع بمستوى الخدمات الصحيَّة والتَّعليميَّة والاجتماعيَّة والاقتصاديَّة ضِمْن السِّياقات الَّتي تضْمَن للسكَّان حياةً مناسبة، أيًّا كانتْ مستوياتُهم المعاشيَّة، وكيف يُمكِن تطوير مناطق معيَّنة لجذبِ العيش فيها لِتَخفيفِ الضَّغط على مُدُن بِعَيْنِها، وإذا كانتِ الصُّدفة الزمنيَّة وحدَها قد ربطتْ بَيْنَ توقيت انعقاد المنتدى والتَّخريب العمراني الرَّهيب والمقصود الَّذي ترتكبه القوَّات «الإسرائيليَّة» في غزَّة ولبنان، تظلُّ عنصريَّة الاحتلال والهَيْمنة والاستلاب عللًا تنسفُ تطلُّعات حقوق السَّكن والأمن والعدالة، وإزاء ذلك لا يُمكِن لأيِّ تخطيط عمراني حضَري صحيح أن يكُونَ في منأى من النَّقص الخطير الَّذي تُعانيه العديد من دوَل العالَم.

•إنَّ المغالبةَ والإثراءَ البَشع واحتكار التكنولوجيا المُتطوِّرة والإفراط الخطير في استغلال الطَّبيعة، وسياسات النَّهب والابتزاز الاقتصادي أصابتْ بيئات بَشَريَّة عديدة.

•بتوضيحٍ مُضاف، ما زال المنهج الحضَري يتعرَّض للمزيدِ من الإحباطات بفعلِ نُفوذ دوَلٍ قليلة تُهيمن على الواقع الدّولي لعزلِه من فرص النُّمو السكَّاني المُتوازن.

•بخلاصةٍ تحليليَّة، وعلى وفق ما أرَى، إنَّ التَّخطيط الحضَري يُمكِن أن تكُونَ له أرجحيَّة ناجحة إذا أخذتْ بالاعتبار عدالة تنمويَّة تشاركيَّة بَيْنَ السكَّان والجهات المعنيَّة بتخطيطِ المُدُن وتلك مسؤوليَّة وإن كانتْ من اختصاص الشَّراكة بَيْنَ المنهجَيْنِ السِّياسي والهندسي المعماري فإنَّ أخلاقيَّات السكَّان تظلُّ عنصرًا مُهمًّا لِتَصحيحِ مسار هذا النَّوْع من التَّنمية.

•إجمالًا، لا فرصة سانحة لتأسيس عصر حضَري متوازن، إذا لم تستمدَّ المشاغلُ حضورَها من تَوافُق تشاركي يُعطي أسبقيَّات للمصير المشترك.

•إنَّ الانخراط في مسؤوليَّة دوليَّة ناجحة للتَّخطيط العمراني العام المُلبِّي لحقوق المجموعات البَشَريَّة يتطلَّب التَّصدِّي لكُلِّ أشكال الاستيطان غير الشَّرعي، والإفادة من التَّقدُّم التكنولوجي وتحرِّي أسباب مظلوميَّة الطَّبيعة الَّتي ما زالتْ تتعرضُ إلى المزيد من الإسراف الاحتكاري، وإنهاء الاختلالات البنيويَّة.

•لقَدْ رفعَ أنطونيو جوتيريش الأمين العامُّ للأُمم المُتَّحدة خَيبة أملهِ إلى مستوى الصَّدمة؛ جرَّاء ما يجري في العالَم من تهجير ونزوح وتسليب حقوق سكن ونسف معالِم مُدُن مأهولة، وتلك متواليات تخريب لم يتمَّ حتَّى الآن وضْعُ حدٍّ لها.

عادل سعد

كاتب عراقي

[email protected]