أيها الأحبة.. ما زلنا مع رسولنا الكريم (عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم) وحوادث شق دره الشريف، ومما ذكره لنا أصحاب السير المرة الرابعة التي سق فيها صدره (صلى الله عليه وسلم) وكانت: ليلة الإسراء. روى مسلم والبَرقاني وغيرهما عن أنس ـ رضي اللَّه تعالى عنه ـ قال: قال رسول اللَّه (صلى الله عليه وسلم):(أتيت وأنا في أهلي فانطلق بي إلى زمزم فشرح صدري، ثم أتيت بطست من ذهب ممتلئًا حكمة وإيمانًا فحشي بهما صدري، قال أنس: والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يرينا صدره)، وذكر حديث المعراج وروى الإمام أحمد والشيخان عن مالك بن صعصعة ـ رضي اللَّه تعالى عنه ـ أن النبي (صلى الله عليه وسلم) حدثهم عن ليلة أُسري به قال:(بينما أنا في الحطيم ـ وربما قال قتادة: في الحجر ـ مضطجعًا إذ أتاني آت فجعل يقول لصاحبه: الأوسط من الثلاثة. فأتاني فشق ما بين هذه إلى هذه. يعني من ثغرة نحره إلى شعرته. فاستخرج قلبي. فأتيت بطست من ذهب مملوءة إيمانًا وحكمة فغسل قلبي ثم حشي ثم أعيد. ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار)، ورواه البخاري (6/ 348، 3207) من طريق شريك عن أنس ـ رضي اللَّه تعالى عنه. واللَّه أعلم)، وأكد هذا صاحب (ألفية السيرة النبوية ـ نظم الدرر السنية الزكية، ص: 36) فقال:(وأما المرّة الرابعة: فهي ليلة الإسراء كما ورد في (الصحيحين) و(تاريخ الحوادث، 12 ـ 13)، ومثله في كتاب (المواهب اللدنية بالمنح المحمدية، 2/ 339): (وثبت ذلك في أحاديث صحيحة منها ما أخرجه (البخارى، 349) فى الصلاة، باب: كيف فرضت الصلاة فى الإسراء، و(مسلم، 162) فى الإيمان، باب:(الإسراء برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من حديث أنس ـ رضي الله عنه ـ وكان ذلك ليلة الإسراء به ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقد ذكر العلماء مرات أخرى لشق صدره، (فتح الباري، لابن حجر، 1/ 460)، وفي (إمتاع الأسماع 3/ 32) قال البيهقي: وهو موافق لما هو معروف عند أهل المغازي ـ يعني وقوع ذلك، في الإسراء من حديث مسلم من طريق سليمان بن المغيرة قال: حدثنا ثابت عن أنس قال: قال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه وسلّم):(أتيت فانطلقوا بي إلى زمزم فشرح عن صدري ثم غسل بماء زمزم ثم أنزلت)، وحديث البخاري من طريق سليمان عن شريك بن عبد اللَّه عن أنس، وحديث البخاري ومسلم عن طريق همام عن قتادة عن أنس عن مالك بن صعصعة، وفيها شق صدره ليلة الإسراء، وخرّج الحافظ أبو نعيم من حديث يونس عن أنس بن مالك قال:(كان أبو ذر يحدث أن رسول اللَّه ـ صلّى اللَّه عليه وسلّم ـ قال: فرج سقف بيتي وأنا بمكة فنزل جبريل فعرج صدري حتى غسله من ماء زمزم، ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا فأفرغها في صدري ثم أطبقه)، وجاء في (إمتاع الأسماع 3/ 32):(ولأبي نعيم من حديث سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس قال: قال رسول اللَّه ـ صلّى اللَّه عليه وسلّم: أتيت في أهلي فأتى بي إلى زمزم، فشرح عن صدري ثم غسل بماء زمزم ثم نزلت طست من ذهب قد ملئت إيمانًا وحكمة، فحشى بها صدري، قال أنس: فكأني انظر والنبي ـ صلّى اللَّه عليه وسلّم ـ يرى الأثر في صدره، وقد ذكر بعضهم أن اللَّه تعالى خلق في قلوب البشر علقة قابلة لما يلقيه الشيطان فيها، فأزيلت هذه العلقة من قلب رسول اللَّه ـ صلّى اللَّه عليه وسلّم ـ فلم يبق فيه مكان قابل لأن يلقي فيه الشيطان شيئًا) (الحديث رقم: 168) في (دلائل أبي نعيم: 1/ 221، 222)، قال الحافظ ابن حجر في (الفتح):(وجميع ما ورد من شقّ الصدر، واستخراج القلب، وغير ذلك من الأمور الخارقة للعادة، مما يجب التسليم له، دون التعرض لصرفه عن حقيقته لصلاحيته القدرة، فلا يستحيل شيء من ذلك)، قال القرطبي في (المفهم):(لا يلتفت لإنكار الشق ليلة الإسراء، لأن رواته ثقات مشاهير، ثم ذكر نحو ما تقدم)، وفي (المستدرك: 2/ 673)، كتاب تواريخ المتقدمين من الأنبياء والمرسلين، حديث رقم: 4430/ 240)، قال في التلخيص: على شرط مسلم، وفي (مسند أحمد: 3/ 571)، حديث رقم:(11812) ، وفي (طبقات ابن سعد: 1/ 112)، وفي (البداية والنهاية: 2/ 335 ـ 337).
والخلاصة: أن هذه الروايات إذا كانت صحيحة أو لا فإن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ طاهر القلب مشرح الصدر رحيم بالمؤمنين رؤوف بهم، فصلّوا عليه دومًا.
محمود عدلي الشريف