الجمعة 18 أكتوبر 2024 م - 14 ربيع الثاني 1446 هـ
أخبار عاجلة

دعائم الحكمة «4» الاستقامة

الأربعاء - 16 أكتوبر 2024 04:44 م

الاستقامة دليل على النضج العقلي والطبع السليم والتربية الناجحة، كما أنها الضمان للعيش السعيد والمستقبل الموعود، فالمستقيم هو من نال حب الله ورضاه، فأكرمه ربه بما يحب، وإنك لتقرأ في كل ركعة سورة الفاتحة وهي الذي سمّاها النبي (أم القرآن)، تقرأ فيها دعاءً عظيمًا هو أم الأدعية وأصلها وأساسها، وهو:(اهدنا الصراط المستقيم)، ذلك الدعاء الذي ينادي به أهل الصلاح والفضل، وقد ميّزه الله تعالى بـ(صراط الذين أنعمتَ عليهم) أي: الذي قام به أفضل الناس وهم الأنبياء والصديقون ومن تبعهم بإحسان بطاعة مولاهم الحكيم:(وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) (النساء ـ 69).

فالاستقامة التي تتحقق في الصراط الذي هو طريقك ومسلكك العملي والفكري والايماني، فتكون مع تلك الزمرة الطيبة الطائعة، وتخرج بالاستقامة من حوزة المغضوب عليهم والضالين.

والاستقامة الصحيحة هي مطلب على كل إنسان أن يقوم به خير قيام، فالإنسان بدون استقامة هو إنسان ليس له قيمة ولا مروءة وبالتالي يفقد احترام الآخرين، ويعيش حياة متخبطة، ويكون مستقبله الدنيوي مجهول والأخروي مخيف.

الاستقامة هي التمسك بأمر الله تعالى وفعل الطاعات قدر الاستطاعة، وترك المنهيات كلها، فالمستقيم هو المسلم الذي لم يخالف أوامر الله، ولم يقترف نواهيه فصلى الصلوات في جماعة، وصام رمضان وأدى الفرائض، وتخلق بالخلق الحسن من الصدق والوفاء والعفة وغيرها، وانتهى عن الأخلاق السيئة من الكذب والنفاق والغش والزنا والمخدرات والدخان.. وغيرها، وكل ذلك فعله بإخلاص لله وحده حتى مماته، سواء في سره أم أمام الناس، سواء في أقواله أم في أفعاله.

ومجالات الاستقامة في الآتي: أولًا في القلب: القلب هو لب الإنسان فإن صلُح فقد صلُح سلوكه وعمله، وإن فسد القلب فسد سلوك الإنسان وعمله، والعمل الأساس للقلب هو الإيمان بالله وعدم الشرك به، والدليل:(إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا) (فصلت ـ 30)، والإيمان يقتضي (حب الله تعالى، ومخافته) وكذلك رجاءه والتوكل عليه ودعاءه، كما يقتضي عدم الإشراك به، ويقتضي التصديق برسالته وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وفي السلوك: بما أن الإيمان يقتضي (حب الله تعالى، ومخافته) بالقلب فإن ذلك ينعكس إيجابًا في السلوك، فالقلب مكنة الجوارح وسلطان تصرفاتها تعمل بما ينضح من طاقته، والحب: يجعلك تصلي وتصوم وتتصدق وتصدق في قولك، وتفعل الخير، وتسعى إلى مرضات الله، إذ الحبيب يطبق ما يحب محبوبه، والمخافة: من الله تجعلك لا تكذب ولا تسرق ولا تغش، وتبتعد عن أسباب الزنا والفسوق والعصيان، مخافة من خسران محبة الله، ومهابة من عقابه وزجره، وفي القول: لا تقتصر الاستقامة على الفعل والسلوك، وإنما يشمل النطق، فالاستقامة في اللسان تعني الصدق والذكر ولو كان في المزاح، وعدم الكذب وقول الزور والغيبة والبهتان، وفي الفكر: الاستقامة في الفكر هو أن يكون الفكر متّزنًا سليمًا مسالمًا، يفكر في الأمن والصلاح والنهضة بالعلم وتدبر ملكوت الله والتخطيط على مستقبل سعيد، أما التطرف في الفكر وتكفير المخالفين في الرأي ومعاداتهم والمناداة بخصومهم وقتلهم والتعرض لهم.. كل ذلك لا يُسمى صراطًا مستقيمًا وإنما اعوجاجًا مشينًا، وفي السر والعلن: يضع المستقيم مراقبة الله له دائمة له، سواء أمام الناس أم في خلوته، فلا ينتهك حرمات الله عندما لا يراه أحد سواء في سفره أو بلده، فالاستقامة هو الالتزام بحدود الله والامتثال لأمر الله سواء في السر أم في العلن.

وللاستقامة فوائد منها: المعية مع الأنبياء: قال الله تعالى موضّحًا المُنعِم عليهم الذين هداهم الصراط المستقيم المذكورين في الفاتحة:(وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) (النساء ـ 69)، ونيل نعيم الدنيا:(وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا) (الجن ـ 16)، وبوجود الماء الوفير تخضر المراعي وتكثر الثمار وتزداد الأنعام، والبشارة من الملائكة:(إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ) (فصلت ـ 30)، والهداية: هي النعيم الأكبر الذي يسعى إلى تحقيقه كل عاقل كيّس، والأمن: من الفزع والخوف من عقوبة الله:(إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (الأحقاف ـ 13)، وبها كرامة المسلم: من يعيش مستقيمًا ويموت مستقيمًا فقد نال أكبر كرامة من الله تعالى، الذي أعانه عليها وأحسن خاتمته، لذلك يرسل الله ملائكته تبشره بمنزله في الجنة.

سامي السيابي

 كاتب عماني

(فريق ولاية بدبد الخيري)