لم يكُنِ السَّابع من أكتوبر إلَّا حجَّة لتسريعِ إطلاقِ المُخطَّط الصهيوني المُتطرِّف، الَّذي وضعَه بنيامين نتنياهو وعصابته اليمينيَّة المُتطرِّفة، وسبقَ أن ذَكرَه في كِتابه «تحت الشَّمس» الَّذي أصدره في العام 2013، والَّذي يؤكِّد فيه صراحةً أنَّه لا سلامَ مع العرب، ولا اعترافَ بالشَّعب الفلسطيني، إلَّا وفق الشُّروط «الإسرائيليَّة»، ويزيد ويعيد في البراهين التَّوراتيَّة الَّتي تؤكِّد حقَّ اليهود في أرض فلسطين كُلِّها، وأنَّ التَّنازلَ عن الأرض مخالَفةٌ صريحة لِمَا ورَدَ في التَّوراة، وفي الاتِّفاقات الدّوليَّة، وأنَّ وعْدَ بلفور ومؤتمر فرساي وقرار الانتداب الصَّادر عن عُصبة الأُمم، جميعها تُعطي اليهود الحقَّ في السَّكن بالخليل ونابلس والقدس الشرقيَّة، مِثل حقِّهم في الإقامة في حيفا ويافا وتل أبيب وغرب القدس، ويتجاهل بالطَّبع القانون الدّولي وقرارات الأُمم المُتَّحدة والإجماع الدّولي خلال العقود الماضية، على أنَّ الضفَّة الغربيَّة والقدس الشَّرقيَّة أراضٍ خاضعة للاحتلال «الإسرائيلي».
يؤكِّد نتنياهو، في كِتابه، عدم اعترافه باتِّفاقيَّات السَّلام مع العرب، سواء كانت كامب ديفيد مع مصر، أو وادي عربة مع الأردن؛ لأنَّ التَّوراة تؤكِّد أنَّ ضفَّتَي نهر الأردن لليهود، ويَعدُّ اتِّفاقيَّة أوسلو الَّتي أدخلتْ منظَّمة التَّحرير الفلسطينيَّة إلى الضفَّة وغزَّة، خطيئة كبرى، ويخبرنا في كِتابه عن الأهميَّة التَّاريخيَّة والدِّينيَّة للضفَّة الغربيَّة لليهود، وكيف أن اسمها ورَدَ أكثر من مرَّة في التَّوراة، وكانت مسرحًا لأحداثٍ مُهمَّة في مَسيرة اليهود قَبل الشَّتات. فالخليل دُفنَ فيها أجداد اليهود، وإبراهيم عَلَيْه السَّلام تلقَّى وعْدَ الرَّبِّ في مكان مستوطنة «ألون موريه» بنابلس، وبيت لحم تضمُّ قبرَ راحيل، وأريحا عن طريقِها دخلَ يوشع إلى أرض الميعاد، وفي نابلس تُليَت التَّوراة أوَّل مرَّة على مسامع الشَّعب اليهودي، وأسفل مدينة سلوان يقع نبع وبركة، كانا يزودان القدس بالمياه في عهد الهيكل الأوَّل، وذُكر اسمها في «التناخ»، وبالقرب من سلوان بنَى سيِّدنا داوود عاصمته، فكيف يمنع الاستيطان فيها؟!
ويُشدِّد نتنياهو على أهميَّة الضفَّة الغربيَّة لأمْنِ «إسرائيل»، فمن النَّاحية الجغرافيَّة، يَعدُّها قلْبَ «إسرائيل»، كما أنها تُشكِّل عائقًا طبوغرافيًّا، ولهَا أهميَّة استراتيجيَّة من ناحية العُمق والارتفاع؛ لصدِّ أيِّ غازٍ، فبِدُونِها لا تستطيع «إسرائيل» الدِّفاع عن نَفْسِها، ويستشهد بتوصية وزارة الدِّفاع الأميركيَّة عقب حرب الأيَّام الستَّة عام 1967 والَّتي نصحَتْ بضرورةِ احتفاظ «إسرائيل» بأربعة أخماس أراضي الضفَّة الغربيَّة وقِطاع غزَّة وهضبة الجولان، كما أنَّ (40%) من المياه العذبة الَّتي تُغذِّي «إسرائيل» موجودة تحت الأرض في الضفة الغربيَّة، لذلك يرى نتنياهو أنَّ إقامة دَولة فلسطينيَّة خطرٌ مميتٌ على «إسرائيل».
يدعم نتنياهو، في كِتابه المشؤوم، حركات الاستيطان الأكثر تطرُّفًا ودمويَّة مِثل «غوش إيمونيم»، ويتحوَّل إلى عالِم آثار عنصري، عِندما يقول: هذه الأرض الَّتي تخرج مع كُلِّ ضربة فأس بقايا الماضي اليهودي، بَيْنَما لم يتمَّ العثور على آثارٍ تُشير لوجود الفلسطينيِّين عَبْرَ التَّاريخ، وكأنَّهم كائنات فضائيَّة، تمَّ زرعها في غفلةٍ من اليهود في هذه الأرض المباركة.
يكشفُ نتنياهو عن نيَّاته تجاه العرب، ويؤكِّد أنَّه لا يُمكِن تحقيق الأمنِ لـ»إسرائيل» إلَّا عَبْرَ قوَّة الرَّدع المعتمدة على سرعةِ الحسْم، وحتَّى السَّلام يجِبُ أن يكُونَ مُسلَّحًا وحذرًا، يوفِّر القوّة الغاشمة لردعِ العرب عِند اللُّزوم. ويرَى أنَّ القوَّة هي الَّتي أرغمتِ الدوَل العربيَّة على توقيع اتِّفاقيَّات السَّلام مع «إسرائيل»، وليس الرَّغبة في السَّلام.
محمد عبد الصادق
كاتب صحفي مصري