الجمعة 18 أكتوبر 2024 م - 14 ربيع الثاني 1446 هـ
أخبار عاجلة

دعائم الحكمة «2» الصبر

الأربعاء - 02 أكتوبر 2024 04:49 م
10

مما أوصى به لقمان الحكيم ابنه التحلي بالصبر، قال الله على لسانه:(وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ)، ومن أسماء الله تبارك وتعالى (الصَّبور)، وهي صفة قريبة من الحليم، فالله تعالى لا يعاجل العصاة بالانتقام، بل ينزل الأمور بقدر معلوم ويجريها على سننه بحكمته، وقد ضرب لنا الأنبياء أروع الأمثلة في صبرهم على قومهم وبلواهم، ومن ذلك صبر نبي الله نوح (عليه السلام) على قومه في مدة ألف عام إلا خمسين، وصبر أيوب (عليه السلام) على مرضه الشديد (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (الأنبياء ـ 83)، فامتدحه الله لصبره بقوله:(إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِّعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) (ص ـ 44).

وقد ذكر الله تبارك وتعالى الصبر في كتابه العزيز في أكثر من تسعين موضعًا، ومنها أنه قرنه بالصلاة التي هي عمود الدين، وجعل معيته مع الصابرين:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (البقرة ـ 153)، فما أجمل أن يتخلق المسلم بخلق الصبر الذي يعبر عن معدن شخصيته ومدى حكمته وتعقّله وفلاذية تحمله.

والصبر في اللغة: نقيض الجزع، (العين للخليل، والجمهرة لابن دريد)، والصَّبْرُ هو قوة النفس في تحمل المصائب والمشاق، فالصابر قوي الشخصية بهذا الخلق الشديد، يقبض نفسه عن فعل ما لا يحسن ولا يجمل، ويفوض أمره وشكواه إلى الله تعالى وحده، ولا يشتكي لغير ربه.

وللصبر أقسام ثلاثة ينبغي على المسلم أن يدركها ليطبق خلق الصبر في حياته إذا واجهته:

1ـ الصبر على طاعة الله: فطاعة الله تعالى تحتاج من المسلم إلى صبر لأدائها بإتقان، فيترك النوم لإقامة الصلاة ويتوضأ بالماء البارد في البرد لإسباغ الوضوء، ويترك الطعام والشراب ليصوم رمضان ويكافح شح النفس في حب المال ليدفع الزكاة، ويعمل كل ذلك في أداء فريضة الحج، والتخلق بالأخلاق الحسنة كالصبر والحلم والعفو والكرم والصدق والمودة وغيرها لأجل نيل محبة الله فيحبه الملائكة والناس.

2ـ الصبر عن المعاصي: حتى لا يقع المسلم في غضب الله وسخطه وعقابه، عليه أن يقاوم نفسه التي جبلت على حب الملذات والشهوات التي من حلالها يختبر أيصبر أم يكفر، قال الله تعالى:(زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) (آل عمران ـ 15).

3ـ الصبر على المصائب: تمر على الإنسان مصائب كفقد الولد، والزوجة والوالدين، ونقص في المال، والثمار، وتمر عليه أيام خوف من عدو أو كوارث أو حروب.. وغيرها، وعليه أن يلاقي ذلك بالصبر حتى يأتيه الفرج من الله، (وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) (البقرة ـ 155)، (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) (محمد ـ 33).

ومن فوائد الصبر: نيل مديح الله تعالى، فالله تبارك وتعالى امتدح نبيه الصابر أيوب (عليه السلام) في صبره، بعدما اختبره فقال عنه نعم العبد:(إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِّعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ)، ووصفه بأنه أواب؛ أي: يعود إلى الله بالتوبة والغفران، والاقتداء بالأنبياء: جميع الأنبياء وادهوا في حياتهم مشاق ومجاهدة من قومهم، ولكنهم صبروا لأجل الله تعالى، ومن اقتدى بالأنبياء لا ضل ولا شقى.

وجزاء الصبر غير محدود، قال الله تبارك وتعالى:(قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ) (الزمر ـ 10)، والاستعانة، والفوز بالجنة ونعيمها، ونيل صلوات الله ورحمته وهدايته.

سامي السيابي

 كاتب عماني

(فريق ولاية بدبد الخيري)