يُقال وجَبَ على المرء طلَبُ العِلم ولو كان بالصين.. وطالِب العِلم يُعَدُّ مجاهدًا في سبيل الله، ومرتبته عالية عِند ربِّ العالَمين.. وها نحن نشجِّع أبناءنا على الدِّراسة والتفوُّق والالتحاق بالجامعات لِتَحقيقِ ما تصبو إِلَيْه نفوسهم من تحقيق الرَّغبات والطُّموحات.
لقدِ انطوَتْ صفحةٌ من صفحاتِ الحياة.. صفحةٌ كان فيها الجِد والاجتهاد رفيقَ أبنائنا لحظةَ ودَّعوا فيها الدِّراسة والتَّعب، وآنَ للفرحِ أن يعمَّ أرجاءنا، ولِنَسائمِ البهجةِ أن تنعشَ أرواحنا، وللزَّغاريد والأهازيج أن تطربَ أسماعنا، وللذَّةِ الإنجاز والنَّجاح أن تتوِّجَ سَعَيْنا واجتهادنا.. نعم، إنَّه النَّجاح.
وجاء وقتُ الحصاد.. حصدوا فيها ثمرةَ اجتهادِهم، موَدِّعين فيها لحظات ضحكات الرِّفاق، رافعِينَ فيها قبَّعات الاحترام للأساتذة.. وداعًا لتلك اللَّحظة الَّتي حمَلت حلمَهم ومَضَوا في سبيل تحقيقه.. فلله الحمد والمِنَّة على بلوغ كُلِّ محطَّة حقَّقوا فيها مبتغاهم، ونسعدُ نحن الآباء بنتاج اجتهادهم.
المفاجأة...
أبناؤنا حصَدوا الشَّهادات الجامعيَّة وأتَمُّوا مَسيرتَهم الدِّراسيَّة بامتيازٍ ومن جامعات خارجيَّة مرموقة، لكنَّهم يفاجؤون بما لم يكُنْ في الحسبان.. لا توجد وظيفة.
أيُّها المسؤولون: في بَيْتِنا خرِّيج...!
هل تستشعرونَ أنْتُم بصدقٍ حياةَ إخوانكم من بَني جنسِكم ممَّن ليس لدَيْهم وظائف تُغنيهم؟ وكيف يعيشون؟ وكيف تمرُّ أيَّامُهم ولياليهم؟ ألَمْ تعلموا كيف يعيش الباحث عن العمل..؟
يستيقظ الباحث عن العمل في السَّاعة الواحدة أو الثَّانية ظهرًا بعد أن فقدَ الأمل من استيقاظه مبكِّرًا، وتجربة البحث الميداني يستيقظ متثاقلًا.. فلا شيء في الحياة يُغريه أو يُفرحه، لَيْلُه كَنَهارِه، أمْسِه مِثلُ يوْمِه، ويوْمُه مِثلُ غدِه إلَّا أن يشاءَ الله.. ويستيقظ وليس لدَيْه هدفٌ يسعَى لِتَحقيقِه أو يبني لَبناتِه، ويراه يكبر يومًا بعد يوم.. يستيقظ وليس له كيان ووجود يُشعرُه بعزِّه ويفخر بِنَفْسِه.
أيُّها المسؤولون: في بَيْتِنا خرِّيج...!
إنَّ الجميع يرَى شحَّ الوظائف الحكوميَّة. لكنَّنا لا نرَى في المقابل وفرةَ وظائف في القِطاع الخاصِّ! وإنْ وُجِدَتْ تلك الوظائف فهي لا تكاد تسدُّ الرَّمق.. يبقَى التَّعويلُ على المشاريع الكبيرة الَّتي يُمكِن أن تسدَّ الحاجة، وهذه بحاجةٍ إلى تمويل وإلى سُوق يُمكِّنها من النَّجاح.. فماذا فَعلْتُم في هذا الجانب؟
تَذكَّروا أيُّها المسؤولون: نحن وإيَّاكم شَعب عُماني، اجتمعنا ووطننا في العُسر واليُسر والمسرَّات والمضرَّات.. ومنَحْنا دَولتنا حُبَّنا وولاءنا وتأييدنا ولا نزال كذلك تجمعنا عقيدة التَّوحيد.. وإيماننا بالله ربًّا وبالإسلام دِينًا.. ويجمعنا قول الرَّسول صلَّى الله عَلَيْه وسلَّم (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضًا).
وكما أنَّنا ننتسبُ لعائلاتنا، فإنَّنا ننتسبُ لأوطاننا.. إنَّنا أبناءٌ لوطنِنا.. أفلا يستحقُّ الأبناء من آبائهم شيئًا؟
أيُّها المسؤولون؟ في بَيْتِنا خرِّيج...!
لِعِلْمِكُم أنَّ أرقامَ الباحثين عن العمل خطيرة.. وهي ليسَتْ سرًّا على أيِّ حكومة، وهي أرقام كانت تُوجِبُ أن تُعلنَ حالة الطَّوارئ في أيِّ دَولةٍ للتَّعامل معها، وعدم التَّفرُّج على المشهد باستسلامٍ كامل دُونَ أيِّ تغييرات على بنية الاقتصاد أو التَّعليم أو بقيَّة القِطاعات.. نريدُ حلولًا بدلًا من التَّفرُّج بِعَيْنٍ حياديَّة وكأن لا شيء يحدُث.. فيما الَّذي يحدُث شيء خطير.. أبناؤنا بلا عملٍ.
وزارة العمل.. في بَيْتِنا خرِّيج...!
أناشدكم وأتمنَّى أن يوجدَ تنسيق بَيْنَكم وبَيْنَ المؤسَّسات التَّعليميَّة؛ لِخَلقِ مواءمة بَيْنَ العَرضِ والطَّلبِ من الخرِّيجين وتمكينِهم، وفتْحِ دَوْرات تدريبيَّة لكسْبِ الخبرة، ولِجَعلِ الخرِّيج دائمًّا في جوِّ العمل ولو من بعيدٍ.
أيُّها المعنيُّون الكرام في عُمان: لِيبقَ السُّؤال حَوْلَ الَّذي ينتظره هؤلاء حتَّى يجدوا حلًّا لهذه الأزمة المتراكمة؟
فكُلُّنا رجاءٌ وأمَلٌ أن يفرجَ عن هؤلاء المُجدِّين، وأن يوظَّفوا في أسرع وقتٍ ممكنٍ حفاظًا على صحَّتِهم ونَفْسيَّاتِهم المُتْعَبة.. فهؤلاء أبناء عُمان وشباب المستقبل، وبِهم ترتقي الأُمم وتُبْنَى الأوطان.
محمد الكندي
كاتب عماني