الأربعاء 06 أغسطس 2025 م - 12 صفر 1447 هـ
أخبار عاجلة

«الخوارزمية البشرية .. كيف يعيد الذكاء الاصطناعي تحديد من نحن» «2ـ2»

«الخوارزمية البشرية .. كيف يعيد الذكاء الاصطناعي تحديد من نحن» «2ـ2»
السبت - 28 سبتمبر 2024 05:06 م

سعود بن علي الحارثي

20

يرَى «فلين كولمن» أنَّ «الذَّكاء الاصطناعي» لن يكُونَ بأيِّ حال من الأحوال كأيِّ ثورة علميَّة أخرى. فالعالَم على عتبة «وثبة كميَّة أبعد من التكنولوجيا الموجودة عَبْرَ تطوُّرات قد تكشف أسرار عِلم الأعصاب، وتكنولوجيا النانو، والكون نَفْسه. ومع ذلك يبقى العديد منَّا غير مبالين ويُحدِّقون بشاشة ساطعة بَيْنَما الصَّفائح التكتونيَّة للتَّاريخ والتكنولوجيا تتحرَّك تحت أقدامنا». وفي جميع الطَّفرات العلميَّة وعمليَّات التَّحديث والعصرنة والتَّقدُّم الإنساني نجد أنَّ العرب والمُسلِمين لَهُمُ السَّبق التَّاريخي الماضوي المنفصل عن الحاضر والمستقبل ـ للأسف الشَّديد ـ في الابتكار وبراءات الاختراع ووضع اللبنات العلميَّة الأولى، فقد «كان عالِم الفلك عبدالله بن محمد بن موسى الخوارزمي، الَّذي يُعَدُّ في أغْلَبِ الأحيان «أب الجبر»، المسؤول غير المباشر عن ابتكار مصطلح «خوارزميَّة» وذلك نسبةً لاسْمِه في ترجمة لاتينيَّة لأحَد كتُبه في القرن الثاني عشر». في عصر الذَّكاء الاصطناعي ستُصبح المعلومات الَّتي نُلقِّنها للآلة هي الموَجِّه والمُسيِّر لهَا. فعلَى هديٍ مِنْها سوف تنطلق السيَّارات إلى وجهتها والطَّائرات والسُّفن، والروبوتات هي الَّتي سوف تخدمنا وتنفِّذ طلباتنا، وتوفِّر احتياجاتنا وتنجز معاملاتنا في المطارات والمؤسَّسات الخدميَّة والمطاعم والأسواق، ولن تحتاجَ هذه الأنظمة والأجهزة ووسائل النَّقل إلى مَن يقودها فهي موَجَّهة إلى تحقيق أهدافها ومبرمَجة تلقائيًّا لتحمُّل المسؤوليَّة، وعِندما تعبثُ الآلة «فائقة الذَّكاء» بعواطفنا وطموحاتنا ونشركها في نزاعاتنا دُونَ قيود أو حدود آمِنة، وضمانات يكُونُ فيها التَّحكُّم بأيدينا واستخداماتها يتمُّ على أُسُس واشتراطات أخلاقيَّة معتمدة عالَميًّا فإنَّ البَشَريَّة حينها ستكُونُ دُونَ شكٍّ في خطرٍ محدق، فهذه «الآلات ستتعلَّم وتتصرَّف من دُونَ سيطرة بَشَريَّة»، فيما «يجهل أغْلَبُ البَشَر الَّذين أنشأوا الذَّكاء الاصطناعي ما هو الشَّيء التَّالي الَّذي سيتعلمه الذَّكاء الاصطناعي». على ضوء أنَّ العالَم يقف «عِند لحظة لم يسبقْ لهَا مثيل في التَّاريخ البَشَري»، فقد واصلَ الكاتب طرح عشرات الأسئلة الفلسفيَّة الَّتي تصوِّر المأزق أو المعضلة أو الخطر المحدق الَّذي يواجهه العالَم في عصر «الذَّكاء الاصطناعي، من مِثل «هل يجِبُ أن تكُونَ للكيانات الذَّكيَّة اصطناعيًّا حقوق؟ ما هي الحقوق الَّتي يجِبُ أن نملكَها وأصدقاؤنا روبوتات المستقبل؟» كيف يُمكِننا «المحافظة على خصوصيَّة بياناتنا الشَّخصيَّة وأفكارنا الذِّهنيَّة؟ وماذا بشأن إنسانيَّتنا؟» الَّتي يبدو أنَّنا نتغاضى عَنْها ونتنازل عن قِيَمنا في مقابل «التَّركيز بقوَّة على تكنولوجيا الآلات».

يُمكِن لـ»الذَّكاء الاصطناعي» أن يحسِّنَ حياتنا إلى الأفضل، وأن يُحدِثَ نهضةً وازدهارًا في الطِّب والاقتصاد والخدمات، «إذا لَعبْنا أوراقنا بشكلٍ صحيح، وإذا فكَّرنا بعددٍ كافٍ من النَّقلات مسبقًا، فقد نتمكَّن من تحويل الذَّكاء الاصطناعي إلى نصرٍ لنَا». متى تشكَّلت الإرهاصات الأولى لصناعةِ آلةٍ تمتلك قدرات فائقة؟ أوَّل مَن تخيَّل الفكرة كان «أحَد آباء عِلم الحوسبة العصري آلان تورنج، في أطروحته لشهادة الدكتوراه عام 1936م، فقدَّم فكرةً لآلةٍ نظريَّة «تُسمَّى آلة تورنج» قادرة على محاكاة منطق أيِّ خوارزميَّة»، فيما «نشأ أوَّل حاسوب (كمبيوتر) يخزِّن برامجه، مانشستر مارك1، في العام 1945». ولا يفوت الكاتب الفرصة من استلهام الدُّروس التَّاريخيَّة والتَّذكير بالخطر القادم، بالإشارة إلى حادثة إلقاء «الولايات المُتَّحدة قنبلتَيْنِ ذريَّتيْنِ على اليابان عام 1945م»، ما يُشكِّل لنَا «أقسَى تحذير من الأخطار الهائلة لبناء تكنولوجيَّات قويَّة دُونَ فَهمٍ حقيقيٍّ لمدَى تأثيرها». تَبْني الدوَل المتقدِّمة اليوم خططها على الاستثمار في «الذَّكاء الاصطناعي» كأولويَّة، فالمستقبل المزدهر والرَّخاء الاقتصادي وأسباب القوَّة مرتبط بالنَّجاح والتَّقدُّم في سباق العِلم والمعرفة، ويشتدُّ الصِّراع بَيْنَ الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة والصين واليابان وروسيا وعددٍ من الدوَل الأوربيَّة... على استقطاب المواهب والنَّابغين والكفاءات العلميَّة واستثمار الموارد في «الذَّكاء الاصطناعي» لتحقيقِ أكبر قدر من براءات الاختراع وفرص التَّطوُّر في هذا الفضاء العلمي المفتوح، تتوقع «برايس ـ ووترهاوس ـ كوبرز أن يضيفَ الذَّكاء الاصطناعي (15.7) تريليون دولار إلى النَّاتج المحلِّي الإجمالي العالَمي بحلول 2030م»، فيما يقدِّر البعض أنَّه في الولايات المُتَّحدة فقط ستصبح «38% من الأعمال تؤدِّيها روبوتات» وذلك في مدَّة أقصاها خمس عشرة سنَة، كما أنَّ الأهميَّة الكبيرة الَّتي يُمثِّلها «الذَّكاء الاصطناعي قادت إلى شراسة «الطَّلب على الأشخاص الأكثر إنجازًا في حقل الذَّكاء الاصطناعي»، مع عدم إغفال حقيقة شح العلماء الَّذين يمتلكون النبوغ والتَّخصُّص في هذا المجال حيث تُشير التَّقديرات إلى وجود «10000 شخص فقط في العالَم يملكون العِلم الضروري لبناء الذَّكاء الاصطناعي»، فيما تؤكِّد العديد من المصادر أنَّ «الصين وروسيا تسبقان الولايات المُتَّحدة في تطوير الذَّكاء الاصطناعي..»، فقد خصَّصت الصين مليارات الدولارات «لتمويلِ مشاريع إطلاق مَركبات نَحْوَ القمر وإجراء أبحاث أكاديميَّة رائدة»، وتوقَّع الباحثون بأن يصلَ الإنفاق الإجمالي على تطوير «التكنولوجيا الذَّكيَّة وتطبيقها إلى (3.9) تريليون بحلول عام 2020، مع استثمارات مستقبليَّة تقارب (60) مليارًا...». تناول الكِتاب تحدِّيات ومخاطر «الذَّكاء الاصطناعي»، كما عرَض بالتَّفاصيل لمنافعِه الهائلة على الصحَّة والرفاهيَّة والاقتصاد والإبداع والتَّعليم واستعادة وحفظ الإرث الحضاري... لا شكَّ بأنَّ المُجتمعات والدوَل المتخلِّفة عن الرَّكب الحضاري ستكُونُ أمام معضلة جسيمة فـ»طوفان الثَّورة القادمة» آتٍ لا محالة ومَن ينتظر ويستهلك ما تُنتجه عقول الشُّعوب المتقدِّمة فإنَّه «يُغامر باستثماراته ومقدراته وقدراته وأجياله».

سعود بن علي الحارثي